|
| روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
???? زائر
| موضوع: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:26 am | |
| تعالي الى الادغال
للكاتبه ان ويل
الملخص
أعتادت أندريا على التجوال في مختلف أنحاء العالم مع شقيقها , ولم تثر فكرة مصاحبتها له في رحلة الى أدغال الملايو تستغرق ثلاثة أسابيع , أية مخاوف في نفسها .إلا أن جيمس فرغسون - الطبيب الذي يعمل مرشداً لفريق الرحلة - كان مصمماً على عدم إصطحابها معهم ... وقررت اندريا ألا تستسلم لهذا الامر . منتديات ليلاس وأستطاعت في النهاية أن تلحق بالفريق وتنضم إليه . ولكن في الظروف البدائية لحياة الأدغال , كانت أندريا ترى فرغسون في ضوء مختلف تماماً . وكان صديق شقيقها جوي رامزي يفقد سيطرته على نفسه . بينما كانت مارغريت باكستر تفقد حظها في الفوزبقلب طبيب الأدغال جيمس فرغسون ... وتعود أندريا الى لندن بعد أنتهاء المهمة , وحدها ... الى أن يهطل المطر عنيفاً ذات ليلة...... فماذا سيحدث يا ترى؟ تابع معنا عزيزي القاريء لتعرف |
| | | ???? زائر
| موضوع: رد: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:29 am | |
| الفصل الاول
1- الغريب يظهر مرتين
في الساعة الخامسة بعد الظهر هبطت الطائرة في سنغافورة مع ضوء الشمس الساطع والجو الذي وصلت حرارته ألى نحو أربعين درجة في الظل. وبعد مضي ساعتين وبينما أستقروا في فندقهم وكانوا يتناولون عشاءهم في مطعم مكيف الهواء بالدور العلوي كان ضوء الغسق الأخضر في المناطق الأستوائية قد بدأ يتوارى مع سقوط الليل الباكر. جلسوا يحتسون القهوة , سألت أندريا : " ما رأيكم في أن نقوم بجولة ؟". كانت أندريا قد أستعادت نشاطرها بعدما أخذت حماما باردا , وأستبدلت ملابسها , ولذلك تجددت في أعماقها رغبة الأنطلاق ألى الخارج لتشاهد بعض المناظر أذ ظلت لأسابيع تتطلع ألى هذه اللحظة التي تعتبر ذروة مرحلة كبيرة من التخطيط والأعداد. " سنغافورة .....بداية الشرق!". " سنغافورة..... مدينة الأسد". لقد أحست أندريا بشيء من الأضطراب عندما سمعت في بادىء الأمر بمعنى هذا الأسم فقد كان يعني شيئا غريبا وغامضا.... شيئا مختلفا تماما عن ذلك الجو الرمادي الكئيب الذي يخيم على لندن منذ أوائل كانون الثاني ( يناير ) مع كل ما يعقبه من أسابيع الشتاء البارد الطويلة ولكن أخيرا أنتهى هذا الأنتظار لنهاية الشتاء , وأصبحت الأمطار والضباب على مسافة آلاف الأميال وراءهم. ورفع أخوها عينيه في نظرة سريعة عن الكتاب الذي يقرأه وأجاب : " ليس الليلة يا آندي ..... أريد أن أنتهي من هذا الكتاب فقد لا يكون هناك متسع من الوقت غدا". ونظرت أندريا في رجاء ألى رفيقها وهو رجل نحيل ذو شعر أشقر , في بداية الثلاثينات من عمره , وقالت : " ستأتي معي لنتمشى .... أليس كذلك يا جوي ؟". وأرتشف جوي راندي كأسه الثانية وقال : " لست في مزاج نشاط يا عزيزتي ..... فلنسترح الليلة". وضحكت أندريا قائلة : " أنت يا جوي لا أمل فيك كنا مرتاحين طوال اليوم , ونحتاج الآن لبعض النشاط , هيا تعال معي ". ألا أنه لم يكن من السهل أقناع جوي أذ أمضى الوقت طول الرحلة من لندن يشرب ويغازل مضيفة جوية جميلة ذات شعر أحمر , والليلة بدا وجهه الجميل شاحبا على غير العادة. وأخيرا قالت أندريا في صوت هادىء: " حسنا..... سأقوم بهذه الجولة وحدي". ورد جوي محذرا: " الأفضل ألا تفعلي ذلك ربما تضلين أو تتعرضين للأختطاف أو أي شيء آخر , هذه ليست أوروبا يا عزيزتي , أنه الشرق الغامض!". ولكن أندريا التي سافرت آلاف الأميال من قبل ألى مختلف أنحاء العالم ولم تعد الأماكن الغريبة تثير مخاوفها , أرادت أن تطمئنه , فقالت له: " لا تخف , أنني لن أذهب بعيدا". وتدخل شقيقها بحزم في الحوار الدائر قائلا: " لن تذهبي ألى أي مكان". فقالت في نبرة أحتجاج : " أوه بيتر , ولم لا؟". فأجابها : " لأنني متأكد تماما أن المرأة الأوروبية لا تخرج بمفردها هنا الليلة , وعليك الأنتظار حتى الصباح يا آندي ". وتنهدت أندريا في حسرة بدون أن تحاول مواصلة الحوار معه . كان بيتر رغم أنه كان يحاول لفترة ألا يبين ذلك يشعر بتوتر عاطفي منذ بضعة أيام , ورغم أن أندريا لم تكن تعرف الحقيقة كاملة أ أنها كانت تعلم أنه على خلاف خطير مع تلك الفتاة التي كان يأمل في الزواج منها. قالتها بأذعان , ثم أضافت قائلة: " في هذه الحالة من المستحسن أن أتوجه لأغسل ملابسي وسألتقي بكما على مائدة الأفطار , طاب مساؤكما". ونهض الرجلان وهي تنصرف عن المائدة , وتجول جوي بنظره ليشاهدها وهي تغادر المطعم , وطوال الوقت بينما تتابعها نظراته كان على أستعداد أن يغير رأيه ويقترح عليها أن يرافقها ألا أنه في شيء من اللامبالاة , عاود الجلوس فوق مقعده وأرتشف ما تبقى في كأسه , كان النزلاء الذين أسترخوا على مقاعدهم في أماكن متفرقة عند مدخل القاعة المغطاة بالرخام يراقبون أندريا أيضا وهي تتجه ناحية المصعد وكان معظمهم من الأميركيين والأستراليين , ولكنهم لم يتعرفوا عليها كما كان من الممكن أن يفعل أغلبية الأنكليز. ألا أن شعرها الأشقر العسلي , وقوامها الفارع الرشيق , جذبا الأنتباه في كل مكان , فلم يكن جمالها من ذلك النوع العادي مثل تلك المضيفة الجوية ذات الشعر الأحمر التي رافقت رحلتهم على الطائرة , بل كان هذا التآلف بين عينيها الخضراوين ذات الرموش الطويلة وأنفها الدقيق وذقنها المستقيم يتسم بجاذبية تفوق كثيرا جاذبية أي وجه آخر. وفي غرفتها في الطابق الأول غسلت أندريا قميصها وعلقتها على المشجب , أخذت تجوب غرفتها بلا هدف تحدده الرغبة في التعرف على الشوارع المزدحمة التي شاهدتها على عجل أثناء أنتقالها في السيارة من المطار ألى الفندق. وكانت تحدث نفسها في تساؤل هل صحيح أن الفتيات لا يستطعن الخروج بمفردهن ؟ أو أن بيتر يريد فقط أن يكون متشددا معها , أو أنه يبالغ في حمايتها؟ فرغم أنها بلغت العشرين من عمرها , ظلت تشعر بأنه ما زال يعاملها كأنها لم تتجاوز طور المراهقة , والواقع أنه لولا مساعدة جوي لها لما كان من الممكن أن تكون في سنغافورة على الأطلاق , تذكر أنها كانت لا تزال في السابعة عشرة طالبة غير متحمسة في أعمال السكرتارية في لندن عندما تمكن شقيقها بيتر عالم الحيوان , وجوي المصور التلفزيوني من تدبير الأموال وفيلما لحسابهما عن الحياة البرية والطب البدائي في الأحراش في جزر البهاما , وفي ذلك الوقت توسلت أندريا أن تذهب معهما كرفيق طريق , وكان الرفض في البداية ولكن جوي أرتأى فيما بعد أنهما قد يستفيدان بها في أعداد الفيلم وهي تذكر قوله: "أنها ليست رفيقا سيئا يا بيتر , كما أن أي قدر من الفتنة يساعد على ترويج أي شيء". وأضاف موضحا: " أنها بهذا القوام الجذاب , يمكن أن تصبح نجمة أخرى ". ألا أن بيتر الذي لم يكن يفكر بالصبغة التجارية مثل جوي رفض هذه الفكرة التافهة , وفي النهاية وافق على أن تقوم أندريا بمصاحبتهما في تلك الرحلة. والواقع أن الفيلم الذي أعد في نطاق ميزانية محدودة جدا , والذي ظهرت فيه أندريا في لقطة واحدة قصيرة حقق نجاحا فاق كل توقعاتهم. وعرضت هذا الفيلم أولا شركة أقليمية لكنه حصل فيما بعد على جائزة دولية , وبيع ألى شبكات أوروبية عديدة على أن النتيجة الأكثر أهمية لهذا الفيلم هي أنه أدى ألى توقيع عقد لتصوير سلسلة مكونة من ستة أفلام مدة كل فيلم منها ثلاثون دقيقة , والآن وبعد مضي ثلاث سنوات , يجري عرض فيلم آخر لرحلة لهم في بتسوانا أثناء الوقت المخصص لعرض أهم الأفلام والليلة يتأهبون للقيام برحلة أخرى تبدأ في الغد. أما هدفهم هذه المرة فهو التوصل ألى بعض الكهوف في أعماق أحراش الملايو وتصويرها – كهوف من المأمول أن تحتوي على بعض النقوش الصخرية البدائية البالغة الأهمية التي لم يتم أكتشافها أبدا في جنوب شرقي آسيا. الساعة بلغت الثامنة والنصف مساء عندما أحست أندريا أنها غير قادرة على التركيز في قراءة كتاب كان معها , وأنه ليست لديها الرغبة للحاق بجوي في حانة الفندق , وأزاء ذلك رأت أنها لن تكون قادرة أبدا على النوم ما لم تقم بنزهة على الأقدام , وفي أية حال تذكر أنها لم تقطع وعودا لأحد كما أنه بالتأكيد لن يكون هناك أي ضرر لو خرجت على مسؤوليتها نصف ساعة طالما أنها ألتزمت السير في الشوارع الرئيسية. وبعد أن أستبدلت حذاءها ذا الكعب العالي بآخر مسطح وغطت رأسها بوشاح حريري , أوصدت باب غرفتها وغادرت الفندق من أحد الأبواب الجانبية حتى تتجنب المرور أمام حانة الفندق , حيث يجلس جوي. وفي الخارج كانت حرارة الجو أنخفضت عشرين درجة , وكان نسيم خفيف يداعب أوراق شجر البلوط في ساحة الفندق وكانت السماء صافية ولامعة بالنجوم الجنوبية , وعند البوابة الرئيسية مر أحد الصبية – وكان راكبا دراجته التي يطلق عليها أسم ( تريشا) وأقترب من الرصيف لأجتذاب أنتباهها فأبتسمت أندريا وهزت رأسها له , ثم أنطلق الصبي في الطريق. ورغم أن المتاجر الكبيرة ذات النمط الغربي كانت مغلقة في ذلك الوقت ألا أن معظم المحلات التجارية الصينية كانت لا تزال مفتوحة وكانت المدينة تموج بالحياة والحركة وكأن الوقت في عز النهار. أفتتنت أندريا بالجلبة الصادرة عن أنغام أصوات الكانتونيين والرائحة اللاذعة لعصي الجس المحترق وكل الأشياء الغربية المعروضة للبيع , والشموع الشعائرية القرمزية الطويلة , والأكياس المملوءة بالأسماك المجففة ذات الرائحة النفاذة , والسارنغ وهو اللباس الرئيسي لسكان المنطقة , وظلت تتمشى على طول الأرصفة ذات الأعمدة والتي تقي المترددين على المتاجر من أية سيول أستوائية مفاجئة , ألا أنه كان واضحا أن السماء لم تمطر لبضعة أيام ,وذلك لأن مصارف المياه الموسمية العميقة كانت جافة تماما. وعند بوابة أحد البنوك كان حارس معمم وذو لحية طويلة رمادية يغط في نوم عميق على فراشه ,وقد تعجبت أندريا كيف يكون في أستطاعته النوم وسط الضجة وصيحات البائعين المتجولين , وضجيج أجهزة الراديو. وبعد فترة قصيرة وجدت نفسها أمام مسطح مائي , وكان الميناء مزدحم بالزوارق الصينية التي كانت السيدات تقمن على بعض منها بأعداد طعام العشاء على مجامر فحمية متوهجة , وكان هناك آخرون يشترون وجبات جاهزة من الأكشاك على طول الرصيف , وعندما أجتذبتها الروائح الفاتحة للشهية بطحالب البحر المملحة وقفت أندريا في أنتظار دورها عند أحد الأكشاك حيث يباع الدجاج المحمر في أسياخ عبارة عن عصي خشبية , وكانت أندريا تهم بفتح حقيبتها لتخرج منها كيس نقودها عندما قال لها شخص في صوت حاد كان يقف خلفها : " لو كنت مكانك ما أشتريت شيئا !". وتلفتت أندريا حولها وهي تشعر بالدهشة , فوجدت نفسها أمام رجل غريب وأن كان يذكرها على الفور بشخص ما وكان هذا الشخص من الناحية الجانبية يوحي بشعره الأسود وبشرته البنية بأنه هندي ألا أن عينيه كانتا رماديتين وكان صوته العميق يوحي بأنه أنكليزي بلا شك". وتساءلت أندريا بصراحة : " ولم لا؟". فأجابها : " لأن أحدا لا يفعل ذلك......". " لا أحد؟". قالتها في دهشة وهي تنظر ألى الناس الذين كانوا يلتفون حول الكشك . فرد قائلا : " ليس هناك أوربيون ". " أوه , فهمت أنك تقصد أنه لا يحدث حسب ما أعتقد". قالتها وهي تهز كتفيها تعبيرا عن اللامبالاة. وأندريا لا تهتم بأولئك الناس الذين تحكم حياتهم قائمة طويلة من القواعد التافهة عما يفعل وما لا يفعل وكانت تفضل أن تحدد لنفسها ما تراه مناسبا لها . وضاقت عينا الرجل وهو يقول : " أنني أقصد أنك لو كنت قد أكلت شيئا من هذه الأطعمة فقد تضرك , وقد تمرضين بدرجة خطيرة". " ولكنها تبدو لذيذة الطعم". فأجابها متفقا معها : " ربما , لكن ألا ترين هذه الفتحة في الحائط , هل تعرفين سبب وجودها؟". ونظرت أندريا ألى حيث أشار الرجل : كان هناك عند أسفل حائط المبنى خلف كشك الشارع ما يشبه خزانة ولكنها لم تلحظه من قبل. وقال الرجل بصراحة : " يوجد خلف هذا الباب مرحاض وحجرة لغسل اليدين". وأستطرد قائلا : " في أي وقت سيحضر جامعو النفايات الذين يعملون ليلا ويفتحونها وأن كان الموقف لا يخيفك – تستطيعين ألقاء نظرة فاحصة على صاحب الكشك , ملابسه نظيفة ألا أنه ربما لا يكون قد غسل يديه منذ يومين". وأستوعبت أندريا كلام الرجل وأحست فجأة بغثيان بسيط , ثم قالت بعد أن أستعادت بسرعة رباطة جأشها : " حسنا , أشكرك لتحذيرك أياي , لا داعي للقلق لأنني تبينت الآن أنني لا أمتلك أية عملات محلية ". وحييته برأسها وهي تبتسم ومضت منصرفة. ولم تكن أندريا قد قطعت سوى بضع ياردات قليلة عندما أكتشفت أن هذا الرجل يتعقبها ثم أذا به يسير ألى جوارها وهو يقول في تصميم : " سأصحبك حتى الفندق الذي تقيمين فيه". وردت عليه بطريقة مهذبة : " أنني أعرف الطريق شكرا لك". ومن المؤكد أنه قد سمع أجابتها بوضوح , ولكنه لم يكلف نفسه حتى مجرد النظر أليها وواصل السير وكأنه أتخذ قرارا لا يقبل المناقشة أو التراجع. وشاع الدم في وجه أندريا خجلا , وأخذت تسير مسرعة ألا أنها كانت تعرف أنها لا تستطيع أن تسبقه فأن ساقيه الطويلتين قادرتان على اللحاق بها بسهولة. ولم تكن أندريا خائفة من الرجل الذي كان هناك في الحقيقة شيء فيه يجعلها تشك في أنه واحد من ضباط الشرطة السريين , ألا أنها كانت تشعر بالأستياء بسبب طريقته المتشددة المتعالية , فقد كان بأستطاعته أن يحذرها من هذا الطعام الذي يباع دون أن يجعلها تشعر أنها بلهاء , وكان بأستطاعته أيضا أن يعرض مصاحبتها لها بدلا من أن يفرض نفسه عليها بهذه الطريقة . وعند ملتقى الشارعين الرئيسيين , وضع الرجل يده تحت مرفقها لكي يوجهها عبر الشارع المزدحم , ألا أنه بمجرد أن وصلا ألى الجانب البعيد من الشارع أنزل الرجل ذراعه , ولما أصبح الفندق على مرمى البصر قالت أندريا: " أصبحت في أمان الآن وأستطيع أن أذهب ألى مكاني بسهولة". ونظر الرجل أليها بعينيه الرماديتين نظرة فاترة خالية من المشاعر وتساءل : " هل تقيمين بمفردك في سنغافورة؟". وأجابته : " كلا... أنني أسافر مع أخي". "من الأفضل أن أتحدث أليه لأنه واضح عدم أدراكه أن هذه المنطقة ليست ملائمة لفتيات صغيرات يخرجن فيها وحدهن في الليل". وهزت أندريا كتفيها , وقالت في فتور: " أعتقد أن هذه مسألة رأي , لقد أعتدت أن أتجول بمفردي ". " ربما كنت تفعلين كذلك في أنكلترا ولكنك هنا في ميناء أجنبي يضم سكانا ذوي أخلاق بغيضة تماما". وبدأت مشاعر أندريا تثور تماما بعض الشيء فأجابت قائلة : "أستطيع أن أقول أن هذا قد يكون موجودا بالفعل ولكنني لم أكن أعتزم أبدا أن تجول في الشوارع الخلفية وفي أية حال , شاهدت العديد من البحارة البريطانيين , وأنني على يقين من أنهم كانوا سيهرعون لمساعدتي أذا ما واجهت أية مواقف صعبة". ورد الرجل على الفور : " ولكن ما تقولينه خارج عن الموضوع , لأنه من الأفضل ألا تضعي نفسك في موقف تحتاجين معه ألى المساعدة من أحد". وردت أندريا في أنفعال: " أوه , صحيح ... أنني لست تلميذة صغيرة كما تعرف ... هل تجعل مهمتك دائما أعطاء محاضرة لأية أمرأة تسير بمفردها عن أخطار القيام بنزهة مسائية لا ضرر منها". وأجابها في جمود : " أن معظم النساء لا يحتجن ألى من يحاضرهن ... هل هذا هو الفندق في مواجهة الميدان ؟". وأجابت في ضيق : " نعم ...... وأنني لقادرة تماما على أجتياز بقية الطريق بمفردي..... وأرجو أن تتركني وحدي". " حسنا جدا..... تصبحين على خير". قالها وهو يهز كتفيه دلالة على عدم الأهتمام بها , وكان المفروض أن ينصرف , ألا أنه لم يبتعد , وكذلك لم تتحرك أندريا هي الأخرى لفترة من الوقت ثم بعد أن تمتمت بعبارة طبت مساء , أستدارت وأسرعت الخطى. ولكنها كانت تحس وهي تمشي ألى الميدان العام أن عينيه ترصدانها , وعندما وصلت ألى بوابة الفندق وألتفتت في نظرة خاطفة نحو المكان , كان ما زال واقفا هناك تحت مصباح الشارع , منتظرا ومراقبا. وأثناء أتجاهها ألى الباب الجانبي الذي غادرت عن طريقه الفندق , أدركت في خجل أنها واجهت هذا الموقف بدون ثقة في النفس . ووجدت أندريا صعوبة في تلك الليلة أن تخلد ألى الراحة والنوم , ولم تكن غرفة نومها مكيفة الهواء , ورغم أن ريش المروحة السريعة الدوران كان يخفف من شدة الحرارة ألى حد ما , ألا أن الجو كان قابضا للصدر , ثقيل الوطأة جدا ولا يوفر أبدا الشعور بالأرتياح. والحقيقة أن المسألة لم تكن فقط حرارة الجو , والظروف غير العادية المحلية التي جعلتها لا تستطيع النوم أذ وجدت نفسها مستلقية على ظهرها في الظلام وقد غطت نفسها بملاءة خفيفة تفكر في هذا الرجل الذي قابلته ووجدت نفسها تحاول أن تحدد الشبه بينه وبين رجل آخر ألتقت به أو شاهدته في مكان آخر. ونظرا لأنها كانت تعرف أنها لا تتمتع بذاكرة قوية بالنسبة ألى الوجوه أدهشها أنها تتذكر كل ملامح منظره مطبوعة في ذهنها , ورغم قصر مدة لقائهما , أدركت أنها يمكن أن تتعرف أليه أذا ألتقت به في أي مكان ليس فقط بسبب وجهه الأسمر اللافت للنظر بل أيضا بسبب طريقة سيره وشكل مؤخرة رأسه. وفجأة أثناء تفكيرها في حيرة بطول الفترة التي لا بد أن يكون قد عاشها في منطقة الغابات لكي يكتسب هذا اللون البني الهندي أدركت لماذا كان هذا الرجل يبدو مألوفا بصورة غامضة , لقد كان مفتاح هذا اللغز في ألبوم يضم صورا فوتوغرافية وكان يمتلكه جوي , وهو ألبوم قلبت صفحاته بعد ظهر يوم ما في شقته في لندن عندما كان هو وبيتر يخططان لرحلتهما الحالية ,وكانت هذه الصور الفوتوغرافية كلها تمثل دراسات لأناس من نوعيات مختلفة تتدرج من أمرأة فلاحة عجوز في صقلية ألى محترفي قطع رؤوس الأعداء في دياك , ألا أن الصور التي كانت تذكرها بوضوح أكثر كانت خاصة بأحد رجال قبيلة باتان , وهو يتميز بعينين تتسمات بالقسوة , وكان يعيش في المنطقة الجبلية البرية على حدود الهند الشمالية الغربية. ولهذا السبب كان الرجل الذي قابلته الليلة الماضية يذكرها بشخص هندي لا لأن هذا الرجل يشبه تماما الهنود في سنغافورة من رجال السيخ ذوي الأجسام الممتلئة المتراخية الهزيلة والشعر المتموج – ولكن لأن بشرته البرونزية الغامضة , وأنفه ذا القصبة العالية , ووجنتيه الهزيلتين جعلته يشبه ألى حد كبير المقاتلين الأشداء في أفغانستان. وتذكرت ما قاله جوي من أن هؤلاء الرجال لهم في بعض الأحيان عيون زرقاء أو رمادية وأنهم مشهورون بكبريائهم وشجاعتهم وكذلك بمعاملتهم غير الرحيمة لأسراهم في العصور القديمة . وفي اليوم التالي أحضر شاي الصباح شاب صيني تعلو وجهه الأبتسامة كان الوقت مبكرا وكانت أبتسامته عذبة فرأت أن تمنحه بقشيشا , ولم يكن معها ألا العملات الأنكليزية – وكان واضحا أن هذه الطريقة مقبولة تماما لأنه دلف من الغرفة وهو ينحني أحتراما لها كأنها من طبقة متميزة , وبدلا من قطع البسكون المعتادة المصنوعة بالزبد , وجدت ثمار الأناناس على الصينية , بالأضافة ألى عدد من أصابع الموز القصيرة السمينة التي لا يزيد طولها على طول الأصابع , وأن كانت أحلى مذاقا من ذلك النوع الذي تستورده أنكلترا , كذلك كانت ثمار الأناناس الطازجة أروع مذاقا من الفاكهة المعلبة. وعندما لحقت أندريا بجوي وبيتر لتناول طعام الأفطار , سألها جوي: " كيف نمت الليلة؟". وفي ذلك الوقت كانت أندريا قد نشرت فوطة على المائدة على الجزء السفلي من فستانها القطني الذي ترتديه أثناء النهار , أما شقيقها فأنه بعد أن ألقى عليها تحية الصباح , أستغرق تماما في قراءة صحيفته , فلم يتابع شيئا من الحوار بين شقيقته وصديقه. وردت أندريا على جوي وهي حريصة على ألا تبدي أهتماما كبيرا , فقالت : " أوه , ليس بصورة سيئة جدا , ولكن كيف أمضيت أنت ليلتك؟". وأجابها جوي بدون أن تبدو على ملامحه البهجة : " بصورة سيئة ". وكان رده في أيجاز , ولكنه أردف بعد فترة صمت قائلا : " ستة شهور هنا في هذا المناخ سوف تمضي وتقضي علي......". ثم وجه كلامه ألى الخادم : " لا أريد قهوة سوداء , ولا أريد أن أتناول أي طعام , أشكرك". وبعد أن ألقت أندريا نظرة على قائمة الطعام , طلبت ميراندا ثمار الأناناس الطازجة , وبيضا مقليا على خبز محمص. وسألها جوي : " هل يضايقك أن أدخن سيكارة ؟". وهزت رأسها بالنفي ففتح علبة من النوع الذي يفضله ولا شك أنه بأنتهاء اليوم سيكون قد أتى على علبتين أخريين. وكانت أندريا تراقبه وهو يشعل سيكارته ويجذب دخانها بقوة وهي تشعر بالضيق من هذه الطريقة التي يدمر بها صحته تدريجا ودون أن يعبأ بشيء . لطالما شعرت أندريا بالحيرة , ترى ما الذي جعله على هذه الحالة؟ فليس هناك في ماضيه ما يدفعه ألى حالة اللامبالاة التي يعيشها , أحبته كما كان يفعل كل من يعرفه وكان هو بلا شك مصورا مبدعا , ألا أن أستهتاره بجوانب حياته الأخرى جعلها تشعر بالغضب والقلق ويبدو أنه لم يعد قادرا على مقاومة أي وجه جميل , أو أبتلاع أي شراب آخر , أو الدخول في أي مراهنة ثم أنه لم يحدث أبدا أن عالج شيئا بصورة جادة , ومع ذلك كان دائما مرحا وعطوفا وكريما حتى كان من المستحيل أن تصفه بأنه مجرد أنسان مستهتر , وقبل أن يفرغ الثلاثة من تناول أفطارهم , أستدعي بيتر لمحادثة تلفونية. وعندما عاد قال لهما : " كان فرغسون هو المتحدث , أتصل هاتفيا ليطمئن ألى أننا وصلنا في الموعد المحدد .......ويقول أنه مرتبط بمواعيد مختلفة طوال اليوم ألا أنه سوف يحضر مساء .... أقترحت عليه أن يتناول عشاءه معنا". وسألت أندريا بأهتمام : " وكيف تبدو لك شخصيته من خلال حديثه؟". كان الدكتور فرغسون هو الرجل الذي سيقود خطواتهم ويرشدهم ألى الوادي الشمالي البعيد الذي يقال أن الكهف فيه . وهز شقيقها كتفيه بغير أهتمام وقال : " أنك لا تستطيعين معرفة الكثير من خلال محادثة هاتفية أستمرت دقائق , ألا أنه يبدو أنه أعد كل شيء وسوف تبدأ أول مرحلة لنا صباح الغد". وكان بيتر أتصل بالدكتور فرغسون عن طريق معهد لندن للطب الصحي والأستوائي , ولم يكن هناك ما يعرفونه عن مرشدهم أكثر من أنه أخصائي في علم الأمراض ومتخصص في دراسة الأمراض الأستوائية الغامضة , وكان خلال العامين الماضيين يقوم ببحث ميداني في الملايو , وكان على ما يبدو واحدا من الرجال البيض القلائل الذين شاهدوا الوادي الذي يريدون التجول فيه , كما كان فرغسون يعرف جيدا قبائل السكان الأصليين التي عاشت في هذه المنطقة. وتكهن جوي وهو مسترخ تماما فقال : "أعتقد أن الرجل نموذج للباحث الذي يمضي نصف وقته وأحدى عينيه لصيقة بالمهجر , والنصف الآخر في كتابة نظريات عميقة مبهمة عن أسباب وطريقة علاج مرض البري بري أو ما تعانون منه ...أن نظرياته تستوعب كافة الأنواع ". وأثناء الفترة الصباحية حضر مندوب صيني من مجلة ستريتس تايمز ليجري معهم حديثا صحفيا وبعد أنتهاء الحديث توجه جوي وأندريا للتسوق. ونظرا لأنهما لم يعتادا على جو الظهيرة الشديدة الحرارة , فأن أحدا منهما لم يستطع أن يتناول أكثر من ساندويش وكوبا من الشراب المثلج عند الغداء , وقد أمضت أندريا فترة بعد الظهر في صالون للتجميل مكيف الهواء في الفندق , تديره ثلاث فتيات صينيات ذوات شعر أسود يرتدين أردية من النايلون لها ياقات عالية. وعندما لحقت أندريا بالرجلين لتناول الشاي في القاعة كان شعرها مصففا ألى أعلى على الطريقة الفرنسية , وكانت أظافرها , ورجليها قد تم طلاؤها بطلاء وردي لامع. ولم يلحظ بيتر تسريحة شعرها أو أظافرها , أما جوي فقد تنبه لذلك وقال في أعجاب: " أنك تبدين جميلة جدا , من الذي تعتزمين أستهواءه , هل هو الزميل فرغسون؟". وضحكت أندريا وهزت رأسها قائلة: " لن أخرج لأستهواء أحد بالذات , أحسست فقط أنني أمضي آخر ليلة من حياتنا المتمدنة , وهذا كل شيء , من يدري فقد لا نعود أبدا.....". " أنه تفكير مشجع.......". قالها جوي ساخرا ثم أضاف متسائلا في سخرية : " ما الذي تتوقعين حدوثه لنا؟". " أنني لا أتوقع , ولكن هناك دائما أحتمالا قائما في أن شيئا قد لا يسير على ما يرام , قد نضل طريقنا أو قد يصيبنا المرض وقد تهاجم الأفيال المخيم الذي نقيم فيه , هناك أكثر من مائة أحتمال وأحتمال". وكانت أندريا تتحدث في مرح , بما لا يدل على أن شيئا من هذه الأحتمالات يشغل بالها. وبعد أن تناولت الشاي توجهت ألى غرفتها ووضعت معظم حاجياتها في حقيبتها كي توفر الوقت في الصباح , والواقع أنه لم يكن هناك داع لأن تطلي أظافرها , لأنه سيتعين عليها غدا أن تزيله وأن تقص أظافرها , ألا أنه من حقها من ناحية أخرى أن تعتني بمظهرها حتى اللحظة الأخيرة وأن السماء وحدها تعلم كيف سيكون حالها بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع وهي تعيش في الأدغال. وفي السابعة ألا ربعا- أي قبل موعد حضور الدكتور فرغسون بخمس عشرة دقيقة أرتدت فستانا أبيض دون أكمام بدا نسيج القماش كأنه حريري , كان ثوب يناسب الجو الحار من النوع الذي لا يتكرمش وكان للفستان بطانة , ولذلك لم يكن ضروريا أن ترتدي أي شيء تحته ألا الملابس الداخلية. وأحست أندريا بالراحة لأنه لم يكن ضروريا أن تضع حول خصرها حزاما ضيقا , كما لبست في قدميها صندلا ذهبي اللون من الطراز الهندي , وأرتدت أسوارة فيروزية حول معصمها , وبعد أن فحصت حقيبتها وبسطت مروحتها العاجية التي أشترتها من أحد المتاجر أصبحت جاهزة تماما. وكان بيتر وجوي في ذلك الوقت قد جلسا ألى منضدة عند مدخل القاعة , وعندئذ خرجت أندريا من المصعد وأقبلت عليهما , ألا أن الساعة لم تكن قد قاربت السابعة ولم يكن الدكتور فرغسون قد وصل بعد. وسألها جوي بعد أن جلست على أحد المقاعد المصنوعة من الخيزران : "أي شراب تحبين؟". " عصير أناناس من فضلك". " ألا ترغبين في مشروب أقوى , كنت أعتقد أنك تودين أن تجعليها ليلة وداع؟". " لا , ليس هذا النوع من الليالي". قالتها أندريا وهي تتابع بنظرها زوجين من الهنود ,المرأة ترتدي ساريا هنديا حريريا غاية في الجمال , وتتجه خارجة لتستقل سيارة أجرة في أنتظارها. وعندما أخذت تتجول بنظرها ألى جوي شهدت رجلا يصعد السلم عند المدخل الرئيسي , وعندما تعرفت على شكله الطويل ذي الكتفين العريضين , تصلبت في مكانها ,كان هذا الرجل هو نفسه الشخص الذي صمم على أصطحابها الليلة الفائتة , وسارعت أندريا بنشر مروحتها مستخدمة أياها لتخفي بها وجهها عنه , وكانت تشاهده وهو يعبر القاعة ألى مكتب الأستقبال في الفندق , يرتدي سترة تناسب وقت العشاء وهي مصنوعة من قماش الشاركستين الأبيض وبنطلونا غامقا ضيقا. وساءلت نفسها في حيرة ترى هل جاء الرجل ليصطحب شخصا ما , أو أنه ينوي تناول العشاء في الفندق , ترى هل سيتعرف عليها , وأذا حدث فهل سيبدي ما يدل على أنه يعرفها , وأذا فعل فهل عليها أن تخبر بيتر بأنها خرجت في الليلة الفائتة؟ ولم تدم حيرتها طويلا لأنه بعد أن تبادل الكلمات قليلا مع الموظف الصيني أتجه مباشرة ألى المائدة التي يجلسون عليها فألتقطت أنفاسها في رعب وفزع مدركة فجأة من يكون هذا الرجل . " السيد فيلمنغ أنا فرغسون". كان صوت هذا الرجل الغريب وهو يقدم نفسه ألى شقيقها بيتر هو الصوت العميق العنيف الذي سمعته مسلء أمس. وبعد أن تصافحا قال بيتر: " هذه شقيقتي أندريا , وهذا زميلي جوي راندي". وعندما أحست أندريا أنها مضطرة لمواجهته , رسمت أبتسامة فاترة على شفتيها وقالت في عصبية : " أهلا وسهلا ". وأنحنى الدكتور فرغسون محييا: " طاب مساؤك". ثم أستدار ومد يده ليصافح جوي , ولم تظهر في عينيه الرماديتين الجامدتين أي بادرة توحي بمعرفة سابقة بها . وعندما جلس الرجال الثلاثة ألى مائدة الطعام , نادى بيتر على الخادم وسأل الضيف ماذا تريد أن تشرب , ولمحت أندريا دهشة على وجه جوي عندما طلب الطبيب مياه منشطة ورفض السيكارة التي قدمها له. وكانت أندريا في حيرة وهي تنظر ألى رباط صندلها الجلدي هل من الممكن ألا يكون فعلا قد تعرف عليها , ألا أنه يبدو من غير المحتمل أن يكون قد نسي لقاءهما , صحيح أنها ترتدي فستانا آخر بدون وشاح على رأسها ولكنها لا تبدو مختلفة جدا عن الليلة الماضية , والواقع أن الرعب الذي كانت تشعر به أشاع في نفسها حيرة وقلقا شديدين ولم تكن تدري كيف يمكن أن تتصرف في مواجهة هذه الظروف غير المتوقعة. وأمام المائدة في المطعم كان الدكتور فرغسون يجلس مواجها لها ورغم أنها لم تستطع أختلاس النظر أليه دون أن يحس ألا أنه لم يتمكن أبدا من ملاحظتها وهي تنظر أليه , ويبدو في الحقيقة أنه كان يتعمد تجاهلها , وكان كل أنتباهه موجها ألى بيتر وجوي. وبعد أن فرغت أندريا من تناول الأيس كريم والفاكهة تبينت أنها لم تقل كلمة واحدة منذ جلسوا ألى المائدة , ثم تناولوا قهوتهم في شرفة ورغم أن الرجل جلس ألى جوارها , شعرت أندريا بأن الدكتور فرغسون ربما يرغب في أن يبقى الكرسي الذي تجلس عليه خاليا. وأخذت أندريا تفكر في أية ملاحظة مناسبة يمكن أن تقولها حتى تجبره على أنه يعترف بوجودها معهم- وفجأة – سأل فرغسون أخاها بيتر أذا كان لديهم أصدقاء في سنغافورة , ورد شقيقها عليه قائلا : " لا أننا لا نعرف أحدا". ورفع الدكتور فرغسون حاجبيه دهشة متسائلا : " هل تعتقد أنه من الحكمة أن تترك شقيقتك هنا وحدها ونحن في داخل البلاد؟". وجاء الرد من جوي: " أندريا لن تكون في مفردها فهي جزء من الفريق ". فتساءل الدكتور فرغسون : " أذن فهل أنت تقترح أصطحابها معنا؟". وسألت أندريا : " هل لديك أعتراض يا دكتور فرغسون ؟". ولأول مرة منذ وصوله ألى الفندق , تلاقت عيناه الرماديتان مع عينيها , وقال في لهجة حادة مقتضبة: " لدي أعتراض حقيقي". وردت أندريا في لهجة جافة: " ماذا تعني". " الغابة لا تصلح مكانا للمرأة ولا مجال لأصطحابك معنا". وساد الصمت وأستطردت أندريا في أستغراب يتسم بالسخط : " بالطبع سأذهب معكم وألا فماذا تفسر وجودي هنا , أنني جزء من الفريق أنه عملي". ونظر ألى بيتر ثم قال : " أنني آسف يا سيد فليمنغ لم أكن أعرف أن فريقكم يضم أمرأة ولو عرفت ذلك من قبل لكنت أبلغتكم في الحال أن الفكرة غير مجدية وغير عملية؟ وتساءلت أندريا : " لماذا تكون الفكرة غير عملية وغير مجدية , رافقت بيتر وجوي في كل مكان دون أن يعترض على وجودي أحد من قبل". وسألها الدكتور فرغسون : " هل سبق لك أن تواجدت في غابة ممطرة من غابات الملايو ؟". " كلا, لم يحدث ذلك من قبل ولكن ذهبت ألى الأحراش في أفريقيا ". فرد عليها وهو يهز كتفيه : " أن الأحراش الأفريقية تعتبر حديقة مبهجة أذا قورنت بالأدغال الموجودة هنا , وأنا أرجح أنه أثناء وجودكم في أفريقيا كانت أجهزتكم تنقل بواسطة حمالين , وأنا أرجح أنكم كنتم تنتقلون من مكان ألى آخر بواسطة سيارة جيب في معظم الأحيان ... أما نحن هنا فسوف نسافر مشيا على الأقدام بدون حمالين أنها عملية صعبة بالنسبة ألى الرجل ولن تستطيع أمرأة أن تتحمل هذا الوضع ليوم واحد". وتدخل بيتر قائلا: " شقيقتي قوية بدرجة كافية يا فرغسون وهي تعلم جيدا أن مهمتنا لن تكون مجرد نزهة". ونظر فرغسون ألى أندريت في تمعن فاحصا وقيما كل جزء فيها من الرأس حتى قدميها في تمعن فاحصا أظافرها ذات الطلاء الوردي اللامع , ظلت تعبيرات وجهه جامدة كأنه يفحص شريحة تحت مجهر ,ولكن أندريا أحست رغم ذلك بموجة من حمرة الخجل تسري في عنقها حتى جبهتها , وقبضت يدها في محاولة لضبط مشاعرها التي بدأت تجتاحها وفجأة ولأول مرة في حياتها فهمت أي نوع من الكائنات كانت المرأة قبل أن تحرر , عندما كانت محكومة بقوانين يصدرها بعض الذكور المتغطرسين ذوي القلوب القاسية , كانت هذه الأفكار بمثابة نظرة ألى داخلها ملأتها بمشاعر الحنق العنيف. ألا أنها قبل أن تتمكن من الحديث , أتجه الدكتور ألى شقيقها مرة أخرى وقال مكررا : " آسف , فربما لا أستطيع تحمل مسؤولية أصطحاب شقيقتك في هذه الرحلة ويتعين عليك أن تقبل رأيي بالنسبة ألى المسألة وفي أي حال فبدلا من تركها بمفردها في سنغافورة أقترح أن تبقى مع بعض أصدقاء لي داخل البلاد , وسوف يسعدهم أن تقيم معهم وأذا أمتد أجل الرحلة عما تتوقع فلن تقلق عليها ". وألقى نظرة على ساعته وهبّ واقفا وهو يقول: " لا أعتقد أن هناك شيئا للمناقشة , أستأذنك في الأنصراف , فلدي موعد آخر في العاشرة وسوف أصطحبك غدا في الساعة السابعة , طبتم مساء". وأومأ فرغسون برأسه ألى جوي وأنحنى نصف أنحناءة لأندريا وأنطلق مسرعا. وبعد أن ذهب وجّه جوي حديثه بطريقة ساخرة ألى أندريا فقال : " حسنا , أن ذلك يضعك في مكانك المناسب يا عزيزتي ...... فلنتريث , ولا داعي للأنفعال وأستطيع أن أقول أنه في أمكاننا أن نعيد النظر في الموقف". ونظرت أندريا أل شقيقها وهي تكتم مشاعرها , وقالت : " لا أحسب أنك ستتركه يتصرف هكذا". وتجهم وجه بيتر وقال في أسى : " أنه لموقف صعب , ولو أراد فرغسون أن يصر على رأيه فلن نستطيع أن نفعل شيئا في مواجهة ذلك يا آندي , كان من الصعب في بداية الأمر أقناعة بالموافقة على أصطحابنا , وبدونه , لا يستطيع أحد منا التحرك". " أوه يا بيتر .......كيف توافق على رأيه؟". " أنا لا أوافقه , أنني فقط أواجه الحقائق ,أنه يضعنا في مأزق , ولا بد أن تقدّري ذلك". وقال جوي مؤيدا وجهة نظر أندريا : " ولكن موقفه غير معقول تماما , أنا لست بالضبط من نوع الرواد الأقوياء , ولو صممت على القيام بهذه الرحلة , فأعتقد أن آندي تستطيع هي الأخرى أن تفعل , ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تواجه فيها مواقف صعبة". ورد بيتر متشككا : " أعرف ذلك , ألا أنه كما يقول فرغسون, فهذه المنطقة جديدة تماما بالنسبة لنا , وقد يكون على صواب, وقد تكون هذه الرحلة صعبة جدا بالنسبة أليها , في أي حال , سأحاول التحدث أليه مرة أخرى صباح غد, وربما أستطيع أن أغير رأيه". وأستفسرت أندريا : " وأذا لم تستطع ذلك؟". وأجابها بيتر مترددا : " كل شيء في وقته". ونهض بيتر عن كرسيه واقفا , ووضع غليونه في جيبه و وقال : " سأخرج ألى النزهة لمدة نصف ساعة , هل ترغبان في الذهاب معي؟". وهز جوي وأندريا رأسيهما أعرابا عن عدم رغبتهما في الخروج معه , وعندما توارى بيتر ألى الداخل , قالت أندريا في حنق: " أوه , يا له من رجل لا يطاق! أنا واثقة أن بيتر لن يستطيع حمله على تغيير رأيه , لقد أتخذ قراره وأنتهى الأمر". وفرغ جوي من شرابه ونظر أليها قائلا: " كان ينبغي ألا ترتدي هذا الفستان يا عزيزتي , فربما شعر أن وجودك سيجعله غير قادر أن يركز على عمله". " بالتأكيد أنا لم أجتذب أنتباهه أثناء العشاء , بل تجاهلني تماما". " صحيح أنه لم ينتبه أيك كثيرا , أليس كذلك , ولكنني في حيرة لماذا فعل هذا". وفكرت أندريا بعض الوقت في ما أذا كان ينبغي عليها أن تروي له ما حدث لها أمس أم لا ولكنها في النهاية قررت ألا تقول له شيئا. وردت أندريا في حذر قائلة: " من الواضح أنه لا يحب النساء". " لا بد أن حياته صعبة لذلك!". وسألته أندريا : " ماذا تقصد بذلك؟". ولمعت عيناه وهو يقول : " أنني لا أدعي فهم كل تفاصيل العقلية النسائية , ألا أنني أستطيع أن أقول مما عرفته عن النساء أن هذا الرجل من النوع الذيلا تقوى المرأة على مقاومته ولا تقولي أنك لم تلحظي فيه أشياء أخرى غير عقله لقيت أعجابك؟". وردت أندريا في فتور: " أنا لا أستطيع أن أن أصفه بأنه وسيم , كما أن طباعه فظة" .\قال جوي في لطف : " ولكنني لا أقول عنه ذلك بالضبط , صحيح أن طريقته في الحديث ليست مهذبة مثلي , ألا أنه يبدو متحضرا تماما , وأعتقد أنك غاضبة لأنه لم يعرك أهتماما كبيرا وهو الشيء الوحيد الذي لا تستطيع المرأة أن تقف أمامه موقف اللامبالاة". وأحست أندريا بالغضب للحظة ولكنها أدركت أن جوي يحاول مضايقتها بالسخرية منها ,ورسمت على شفتيها أبتسامة فاترة , وكأنها تعبر بها عن رأيها في هذا الحوار , ثم قالت : " يا لك من دنيء يا جوي , لو أنه أعترض على وجودك لما أخذت المسألة بهذا الأستخفاف ".
وأستطرد جوي ساخرا : " يبدو أنني سأكون في قائمته قبل أن تنتهي الرحلة, أنني أعرف هذا الطراز من الرجال الجادين في حياتهم , الذين لا يشربون ولا يدخنون , والذين يحرصون على الأستيقاظ في الساعة السادسة صباحا مهما كانت ظروف الليلة السابقة , ثم أنهم قبل أن يتناولوا طعام الأفطار يكونون قد أنتهوا من معالجة كثير من الأمور الملحة ومن هنا فأنني أعتقد أنه سوف يشرف على رحلتنا كما لو كانت هجوما لرجال الكوماندوس , وربما لهذا السبب يكون عدم أشتراكك فيها أفضل لك يا عزيزتي". وأعترضت أندريا على كلامه قائلة: " ولكنه مرشد فقط وسيكون بيتر هو المسؤول عن الرحلة ". " من الناحية النظرية نعم , ألا أن فرغسون بدأ بالفعل في وضع قواعد الرحلة وأعتقد أنه سوف يستمر في ذلك". ومكثت أندريا فترة من الوقت تلوي أسوارتها بعنف دون وعي منها , ثم ألتقطت أنفاسها وقالت: "حسنا , علينا أن ننتظر ونرقب الموقف , أعتقد أنه كان يوما طويلا ومن المستحسن أن أذهب ألى السرير". ونظر جوي ألى كوبه الفارغ , ونهض واقفا وهو يقول : "نعم ,من الأفضل أن أنام أيضا حيث يتعين علينا أن نستيقظ مبكرين , هل أخذت مفتاح غرفتك يا أندريا؟". وكانت غرفة أندريا مقابلة للغرفة التي يقيم فيها الرجلان , وقد صحبها جوي ألى غرفتها وفتح بابها قائلا: " لا تقلقي يا أندريا...... أتوقع أن نتمكن بيتر وأنا من أقناع فرغسون بتغيير رأيه". وردت أندريا في شك: " آمل ذلك , طبت مساء يا جوي". " طبت مساء , نوما هنيئا". نهاية الفصل الاول ======================= |
| | | ???? زائر
| موضوع: رد: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:32 am | |
| الفصل الثاني- من يخاف الدكتور فرغسون؟
وفي صباح اليوم التالي , هبطت أندريا من غرفتها ألى المطعم لتناول الأفطار , وكانت ترتدي قميصا قطنيا خفيفا ورديا , وسروالا من القطن الأزرق على أحدث طراز وحذاء بنفسجيا خفيفا مرن النعل من الطراز الأسباني , وكانت ثياب آندي بهيجة وعملية في الوقت نفسه ,وكانت أيضا قد أستبدلت ساعتها الدقيقة الأنيقة بساعة أكبر وأرخص وحرصت على وضع كمية كبيرة من بودرة الثلك في حذائها , ولكنها لم تكن قد أزالت طلاء أظافرها , وما زال العطر الفرنسي الثمين يفوح منها أما شعرها فقد ثبتته خلف رأسها بشريط يناسب لون قميصها. سبقها ألى قاعة الطعام شقيقها , بيتر وصديقه وزميل رحلته جوي , وأثناء تناولهم الطعام تساءل جوي : " ترى كيف يمكن أن نجد حال الطريق الداخلية في هذه البلاد؟". وكان بيتر كعادته مشغولا بمطالعة الصحف ولكنه عندما سمع ذلك رفع عينيه عن الصحيفة وقال : " ستكون حسنة جدا حسب ما أعتقد , ذكر فرغسون أنه ينبغي أن نصل ألى سانغي موسانغ في الساعة الثالثة تقريبا ". ورد جوي ساخرا: "أعتقد أنه كان من الأفضل لو أننا ركبنا طائرة فأن ركوب سيارة لمدة ثماني ساعات في هذا المناخ لن يكون نزهة مرحة في أي حال ,فكيف أذا كانت هذه السيارة عبارة عن سيارة جيب عتيقة". منتديات ليلاس
وحاولت أندريا أن تخفف من وقع هذا الأحساس وقالت : " ربما لا تكون الرحلة سيئة بهذه الدرجة خاصة أذا كانت الطريق مرصوفة وفضلا عن ذلك فأننا سوف نتمكن على الأقل من مشاهدة الكثير من أجزاء هذه البلاد أكثر مما لو كنا محلقين في الجو". وأبتسم جوي وقال لها: " سوف تسعدين بالجلوس ألى جانب فرغسون طوال اليوم , أنها فرصة قد تثير أي فتاة". وأشارت ألى نفسها ثم نظرت أليه قائلة : " ولكن ليست هذه الفتاة , أنني أفضل الجلوس في المقعد الخلفي معك". وفي الساعة السابعة تماما وصل فرغسون لأصطحابهم , ولم يكن في سيارة جيب عتيقة كما زعم جوي من قبل , ولذلك فأنه لم يتمالك من أبداء الدهشة عندما شاهدوا جميعا السيارة البنية اللون ذات السقف المتحرك التي كانت تقف خارج الفندق وقال جوي في أعجاب: " يا لها من سيارة جميلة". ولم تجد أندريا من الضروري بالنسبة لها أن ترفض أحقيتها في الجلوس في المقعد الأمامي لأنه لم يعرض عليها ذلك بل على العكس فتح لها الدكتور فرغسون الباب الخلفي وكان واضحا أنه وافق على مرافقتها لهم في هذه الرحلة بقدر ضئيل من الحماسة والأهتمام , وكانت هي تبادله المشاعر نفسها. وكان بيتر وجوي يرتديان سروالين من القطن المتين الكاكي وقميصين تأثرت ألوانها بفعل الشمس وهي الملابس التي أعتادا أرتداءها للعمل , أما الدكتور فرغسون فرغم أنه لم يكن يرتدي ربطة عنق ألا أنه كان يبدو متجها ألى العمل في معمل مكيف الهواء , أذ بدا وكأنه تسلم قميصه وسرواله الأبيض من أفضل مؤسسة لغسل الملابس وكيّها في سنغافورة , وكانت جواربه أنيقة أيضا وحذاؤه لامعا , وعلى عكس الرجلين الآخرين بدا كأنه أخذ حماما باردا لتوه , بينما كان باديا على الرجلين الآخرين الشحوب الذي يتسم به الأوروبيون الواصلون منذ فترة وجيزة ليواجهوا هذا المناخ الأستوائي. وقد عبر الجميع بالسيارة الطريق المعبد الذي يربط سنغافورة بداخل المدينة وراء سيارة لوري صينية محملة بسماد مصنوع من مخلفات الأسماك بتميز برائحة كريهة للغاية. وكانت مضائق غوهور تلمع في ضوء الشمس الساطع صباحا , والسماء زرقاء صافية تشعرك أنك تعيش جو عطلة منعش. ورغم أن الدكتور فرغسون كان يقود السيارة بسرعة ألا أنه لم يكن مستهترا وكانت أندريا تتطلع ألى يديه البنيتين وهما تلمسان برقة عجلة القيادة وكان يستخدم أجهزة السيارة بمهارة , ويمسك عجلة القيادة في الوضع الصحيح , ولم يكن يتنحى يمينا أو يسارا بسرعة خارقة حتى لا يؤثر ذلك على أطار السيارة كما يفعل جوي بطريقته التي تنم عن عدم أكتراث. وفي الساعة الحادية عشرة أوقف سيارته على جانب طريق بجوار مزارع المطاط المعتمة ووجه حديثه أليهم قائلا: " يمكنكم أن تستريحوا في هذا المكان أذا شئتم لمدة خمس دقائق , أما أنا فسأحضر لكم سلة الغداء". وخرج بيتر من السيارة , وخرج جوي وأندريا من الناحية المقابلة , وسألها جوي بعد أن أبتعدا قليلا عن السيارة : " ألا تزالين غاضبة؟". وهزت أندريا كتفيها قائلة : " الغضب لا يفيد , وما لم يصمم بيتر رأيه فلن يكون هناك الكثير مما أستطيع أن أفعله". " ولكنني لا أوافقك على ذلك , لم تحاولي بعد تجربة التأثير بنفسك ". وردت أندريا في أسى وهي تضع يديها في جيبها : " الدكتور فرغسون ليس الشخص السريع التأثير". وألمح أليها جوي قائلا : " من يعرف , ربما يكون هذا المظهر الجاف الذي يبدو به الرجل مجرد واجهة فقط , أما ما يخفيه وراء هذا المظهر فهو شيء آخر". ونظرت أندريا أليه متشككة وقالت : " أشك في ذلك أنه يبدو لي صلبا مثل حجر الغرانيت ". " ربما وربما لا , ألا أنه ليس هناك الكثير من الرجال الذين يستطيعون مقاومة فتاة جذابة أذا ما عقدت العزم وأذا أخذتني أنا كمثال فأنا أيضا لست الشخص السريع التأثير ألا في أوقات معينة , ولكنني لا أستطيع يا عزيزتي أن أصمد أمامك". " ما الذي تحاوله يا جوي , هل تريد أن تقوي معنوياتي المنهارة؟". " كلا , أنني أعني ما أقول فعلا ....". وأستطرد جوي قائلا : " لو تلقيت بعض التشجيع منك...... فسوف أستسلم نهائيا !". وتوقفت أندريا ونظرت أليه نظرة طويلة وقالت : "أوه , لا تمزح , كنت طوال الرحلة بالطائرة تغازل المضيفة بطريقة جنونية". " نعم , ولكنني لم أكن في حماسي المعتاد , وكان ذلك أيضا قبل أن أشخّص حالتي بصدق , وأعتقد أنني لم أكن في حالتي الطبيعية لفترة , ولكن الأمر لم يستمر حتى الليلة الماضية , حينما أدركت لماذا لم أكن في حالتي العادية....". منتديات ليلاس
ولم تعرف أندريا كيف ترد عليه زكانت ترى أنه بالتأكيد غير جاد , ولذلك فضلت أن تظل على صمتها , بينما أستطرد جوي قائلا: " عندما أنضممت ألينا في بادىء الأمر وجه بيتر أليّ تحذيرا بأنه سوف يمزقني أربا لو حاولت الأقتراب منك , ولم أكن أرحب بذلك لأنني أتجنب القيام بأية تصرفات طائشة مع الفتيات دون السابعة عشرة , ألا أن الموقف تغير الآن , فأنا لا أقوم بعمل طائش , ثم أنت أيضا كبرت ونضجت ,وأتمنى أن تفكري جيدا فيما قلته الآن لك , فهل تعديني بذلك؟". وفي هذه اللحظة أطلق بيتر صفيرا معينا يعني أستدعاءهما للعودة ألى السيارة مرة أخرى , وعندما عادا كان الأثنان الآخران قد شرعا في تناول طعام الغداء الممتاز الذي أعده لهم الدكتور فرغسون. وكانت أندريا مرتبكة تماما بسبب هذا الموقف غير العادي الذي أفصح عنه جوي لدرجة أنها لم تشترك في الحديث الدائر بينهم , بل كانت غافلة تماما عما يدور حولها , وأنتابها مشاعر الحيرة وتساءلت فيما بينها وبين نفسها : " ما الذي يعنيه جوي بالضبط , أن ما قاله هو : أعطني بعض التشجيع وسوف أستسلم لك تماما ...... ألا أن مثل هذا التصريح الواضح يمكن أن يفهم بأكثر من طريقة واحدة". وعندما بدأت المرحلة الثانية من الرحلة في السيارة , جلس جوي في المقعد الأمامي بجوار الدكتور فرغسون بينما أنضم بيتر ألى شقيقته في المقعد الخلفي , وكان الطريق في بعض الأحيان يبدو ممهدا عبر قرى واسعة تحفها من الجانبين مزارع المطاطا أو الأرز وفي بعض الأحيان , كانت السيارة تشق طريقها فوق التلال الشديدة الأنحدار عبر غابات ممطرة دائمة الخضرة الكثيفة لدرجة أنه لم يكن من المستطاع لشعاع من ضوء شمس أن يتسلل عبر الجزء الأعلى المتشابك الأغصان الذي يعلو رؤوسهم. وأخيرا وصلت السيارة ألى مدينة سونغ موساغ الشمالية الصغيرة وكان الوقت عصرا , وكانت الأستراحة الحكومية التي سيمضون فيها الأيام القليلة التالية تتكون من طابق واحد , وكانت مشيدة من خشب البلوط على أعمدة خرسانية سميكة , وفيها شرفة واسعة تحيط بها من كل جانب. وعندما دخلت السيارة عبر البوابة , خرج صبي للمساعدة في حمل الأمتعة. ألا أنه عندما حمل حقيبة أندريا من صندوق السيارة أوقفه الدكتور فرغسون قائلا : " لا..... لا تأخذ هذه الحقيبة يا ليم". وأتجه ألى أندريا قائلا: " أذا كنت تنوين البقاء مع أسرة باكستر أثناء وجودنا في جولتنا داخل البلاد , فربما من الأفضل يا آنسة فليمنغ أن تتجهي أليهم الآن مباشرة , وأقترح أن نذهب بالسيارة ألى هذه الأسرة الآن". وردت أندريا في أحتجاج: " لكنني أفضل أن أبقى هنا وربما لا أجد في نفسي القدرة أن أفرض وجودي على أناس لا أعرفهم ولا يعرفوني , ثم أنني لن أشعر بالراحة بينهم على الأطلاق". وعقب الدكتور فرغسون على الحديث قائلا: " الملايو ليست مثل أنكلترا يا آنسة فليمنغ , سوف تجدين أن الأوروبيين هنا بعيدا عن بلادهم يتسمون بروح الضيافة أكثر مما لو كانوا في بلادهم , معظمهم يسعده جدا أستضافة زائرين وخاصة في هذه المنطقة الصغيرة النائية التي لا يتردد عليها الناس ألا نادرا". وأصرت أندريا على رأيها ونظرت ألى بيتر ليؤيد موقفها ثم قالت : " في أية حال , أنني أفضل البقاء هنا في الأستراحة". وألتفت بيتر ألى الدكتور فرغسون وسأله : " هل هناك سبب يمنع بقاءها هنا يا فرغسون؟". وهز الطبيب كتفيه العريضتين , وقال : " لا ......ليس هناك أي سبب أثناء وجودكما هنا معها ,,, ولكن الأمر يختلف بعد أن نغادر المكان , ولذلك فأنني لا أنصح بوجودها هنا". منتديات ليلاس
وتساءل جوي : " ولم لا؟ أعتقد أن هذه الأماكن تشبه الفنادق ألى حد بعيد ". ورد الطبيب قائلا : " نعم أنها كذلك, لكنها تستخدم بصفة أساسية كأمكنة لمبيت الرجال الذين يعبرون هذه الطريق ليلا فقط والأحتمال هو أن الآنسة فليمنغ أما أن تبقى بمفردها معظم الوقت أو أنه سوف يتسع أمامها المجال للمارسة لعب البوكر وتناول الشراب بدرجة كبيرة". وقال جوي بطريقة غير مهذبة : "أن ذلك لن يضايقها , فقد أعتادت على طريقتي العابثة". وترددت أندريا بعض الوقت ثم قالت في هدوء وحزم : " أنا آسفة , لكن من السيء تماما أن أبقى هنا , بينما تتوجهون أنتم ألى الأحراش , ألا أنه ليس من الصعب أن تتوقعوا مني أن أفرض نفسي على غرباء , المسألة ليست يوما أو يومين , فقط , سوف تبقون ثلاثة أسابيع..... على الأقل , وأذا لم أستطع البقاء هنا في الأستراحة سأعود فورا ألى أنكلترا , وأنني أعني ما أقوله يا بيتر". ومضى جوي قائلا: " وأنا أتفق معها , آندي لم تعد صغيرة , ما زلت على غير أقتناع بالأسباب التي تدعو ألى عدم مواصلتها الرحلة معنا , لماذا أذن لا تأتي؟". قال بيتر بعد أن فكر مليا عدة لحظات : " أعتقد أن شقيقتي لها وجهة نظر فكما تقول , سوف نبقى بعيدا لفترة طويلة , وأنه لأمر غير مريح للشخص أن يشعر بأنه مدين للناس". ورد فرغسون في أيجاز : " حسنا , ولكنني بالتأكيد سأطلب من أسرة باكستر أن ترعاها ". وبعد أن أستبدل الجميع ملابسهم أتجه معهم بالسيارة ألى بيت أصدقائه في الريف ,حيث كانوا يتوقعون وصولهم في تلك الليلة لتناول العشاء . وفي الحديقة الأنيقة كانت أمرأة ترتدي فستانا من قماش منقوش بالزهو تتحدث ألى كيبون وهو صبي هندي وعندما سمعت صوت السيارة أتجهت ناحيتها محيية . " عدتم مبكرين , لم نكن نتوقع وصولكم ألا عند غروب الشمس , هل كانت رحلتكم موفقة". " نعم , أشكرك يا مارغريت , كيف حالك؟". ولأول مرة رأت أندريا أبتسامة الدكتور فرغسون وكان ذلك بمثابة صدمة صغيرة لها , وفجأة رأت أبتسامة عريضة على فمه , وشعرت أنه يبدو شخصا مختلفا تماما. أما الآنسة باكستر , التي بدت في أواخر العشرينات من العمر , كانت متوسطة الطول , رياضية المظهر , ذات سمات عادية ألا أن شعرها كان معقوفا من الخلف , ولم يكن لديها على ما يبدو أحساس سليم بأناقة المظهر. وبعد أن تم التعارف بينهم قالت في سرور : " تفضلوا ألى داخل البيت , أتوقع أنكم بحاجة ألى شراب , هل تفضلون الشاي أو أي مشروب بارد؟". ظل الحديث الذي دار بينهم لفترة من الوقت حديثا عاما , ولكن بعد أن قدمت أليهم آما وهي خادمة صينية الشاي وكانت ترتدي سروالا من قماش الساتان الأسود وبلوزة قطنية بيضاء , عندئذ دارت بين الرجلين مناقشة حول الرحلة . وأستدارت الآنسة باكستر ألى أندريا قائلة : " من أي مقاطعة في أنكلترا أتيت يا آنسة فليمنغ؟". " جئت من لندن". " أوه يا عزيزتي ...... أخشى أن تجدي سونغي موساغ كئيبة جدا بالنسبة ألى لندن , التسلية الوحيدة التي نستطيع أن نقوم بها لك هنا هي نادي السباحة والسينما ". وسألتها أندريا : " هل تجدين في هذه المدينة شيئا كئيبا؟". وأوضحت الفتاة الأكبر سنا وقالت : " لا..... ولكنني ولدت في الملايو , ونظرت ألى الدكتور فرغسون ثم أستطردت : " وكذلك جيمس ". " حقا , أذن فأنت تعرفينه طوال حياتك؟". وهزت الآنسة باكستر رأسها بالنفي قائلة : " كلا....... ولد جيمس في باهانغ ولكنه أمضى معظم فترة شبابه في الدراسة في أنكلترا , وأستطعنا الهروب ألى أستراليا , ورغم أن أبي كان يعرف والده ألا أنني لم أتعرف على جيمس ألا بعد أن عاد للقيام بهذا المشروع الأستطلاعي". وعند هذه المرحلة أعلن الدكتور فرغسون أنه سيصطحب بيتر وجوي في الرحلة بالسيارة حول المدينة قبل أن تغيب الشمس , ولكنه لم يدع أندريا لمصاحبتهم في هذه الرحلة. وفور خروج الرجال الثلاثة , أستأذنت الآنسة باكستر من أندريا لتشرف على أعداد العشاء , وهكذا كانت أندريا بمفردها عندما قابلت لأول مرة الدكتور باكستر الذي وصل في سيارة عتيقة عندما كانت تجلس في الشرفة , ولم يكد يراها حتى صاح: " آنسة فليمنغ أنا روبرت باكستر". منتديات ليلاس
قالها وهو يرسم على شفتيه أبتسامة ودية مادا يده أليها , وتساءلت أندريا في دهشة: " كيف عرفت أسمي؟". ورد باكستر وعيناه تلمعان بالبهجة : " حدثنا جيمس عنك عندما أتصل بنا من سنغافورة ليلة أمس , لكنه للأسف لم يحدثنا عن الجمال , ولو ذكر لنا كم أنت جميلة , لكنت أتيت مبكرا عن هذا الموعد". وضحكت أندريا وقالت : " أوه , شكرا". وكانت تتساءل عنك بينها وبين نفسها : ترى كيف وصفها الدكتور فرغسون لهما؟ ثم ظهرت الخادمة الصينية مرة أخرى وطلب منها الدكتور باكستر أن تحضر له كوبا من مشروب بارد وعصير ليمون مثلجا . " أذن فأنت ممثلة تلفزيونية". " لست ممثلة بالضبط". وشرحت أندريا العمل الذي تقوم به ووجدت من السهل جدا أن تدير حوارا ممتعا وعذبا مع هذا الرجل وذلك على خلاف ما حدث مع الدكتور فرغسون الذي لم يكن ينظر أليها ألا في شيء من التحفظ وبكثير من الأستخفاف والأستهانة فما أبعد الفارق بين الرجلين . وكان وجه الدكتور باكستر مفعما بالدفء والأهتمام , وكانت الخطوط التي حول عينيه هي الأرجح نتيجة لأبتسامة متكررة تعلو وجه شخص يعيش في بلد يغمره ضموء الشمس الساطع. وكانت الشمس قد بدأت تنحدر نحو المغيب , وفي ذلك الحين أنتشر في الحديقة ذلك الضوء الأخضر الغريب الذي سبق أن رأته عند هبوطها ألى هذه البلاد والذي عرفت من قبل أنه ينبىء بدخول الليل. وفجأة عندما كانت أندريا تنظر ألى السماء شهدت مجموعة كبيرة أشبه ما تكون بالطيور الضخمة وكانت تحوم فوقها , وظلت لفترة من الوقت تحدق بها دون أن تستطيع تحديد نوعية هذه الأشياء , ولذلك فأنها لم تلبث أن تساءلت : " ما هذه الأشياء ؟". وقال الدكتور موضحا : " أنها ثعالب طائرة , أنها في الحقيقة نوع من الخفافيش وهي تنام في الغابة طوال النهار , ثم تظهر عند الغسق بحثا عن الفاكهة ,وسوف أبحث لك عن نظارات مكبرة حتى تستطيعي رؤيتها بصورة أقرب وأوضح". ألا أنه قبل أن يفعل ذلك عادت الخادمة الصينية تحمل المشروبات التي طلباها , وكانت تتبعها الآنسة باكستر التي قالت : " أوه....... هل عدت يا أبي , لم أسمع صوت السيارة". كانت الآنسة باكستر قد أستبدلت ثوب القطن بآخر من الحيرير المطبوع وكان هذا الثوب في رأي أندريا يلائم سيدة متزوجة , وأستطردت الآنسة باكستر قائلة : " من الأفضل أن تأخذ حمامك الآن فورا , فأن الآخرين سوف يعودون حالا". " أوه , حسنا يا عزيزتي ". وأستأذن الطبيب خارجا , وأخذ معه كوب شرابه بينما جلست الآنسة باكستر وقد فردت منديلا أحمر اللون يحتوي على بعض أشغال الأبرة . وسألتها أندريا بأدب : " ماذا تصنعين ؟". وبينما كانت الخادمة الصينية تشعل مصباح الغاز , كانت الآنسة باكستر تمسك بيجاما طفل , وهي تقول : " أنني أشتغل كمية كبيرة من أعمال التطريز من أجل دار الأيتام , هل تحبين الحياكة والتطريز يا آنسة فليمنغ؟". وأجابت أندريا : " أعددت قليلا من ملابس الشاطىء , ولكنني لست ماهرة جدا , أنني أشتري معظم ما أريد أرتداءه , هل هناك متجر لبيع الثياب في سونغ موسنغ , أو أنه يتعين عليك أن ترسلي لشرائها من سنغافورة ؟". " كلا , أنني أتعامل مع حائك ثياب هندي وهو الذي يقوم يتجهيز ملابسي". وكانت عينا الآنسة باكستر ترمقان ساقي أندريا الناعمتين , وكان رداؤها ذا تنورة طويلة تجذبها فوق ساقيها عندما تهم بالجلوس , وربما لم تكن تفعل ذلك قصدا , ألا أنها جعلت أندريا تشعر بأن الكشف عن ركبة المرأة شيء غير مستساغ. وساد بينهما صمت يشوبه الأرتباك , ولم تتخلص أندريا من هذا الأرتباك وتشعر بالراحة ألا بعد عودة الرجال الثلاثة. وعند الساعة العاشرة عندما كانت الآنسة باكستر تبحث عن شيء ما في غرفتها , وبينما كان بيتر والطبيبان يناقشان بعض المسائل السياسية في الملايو , ربّت جوي بيده على ذراع أندريا وقال : " هل تحبين القيام معي بنزهة حول الحديقة؟". وهزت رأسها بالأيجاب لأنها تتوق ألى معرفة ما دار بين شقيقها والدكتور فرغسون بشأن أصطحابها معهم ألى الغابة ,وعندما سألت جوي , قال : "للأسف , أثار بيتر المسألة مع فرغسون لكنه كان مصمما على رأيه وفي الحقيقة , أعتقد أنه أقنع بيتر بأنه سيكون من الخطأ أصطحابك معنا". وردت أندريا في أستغراب شديد : " يا له من رجل بغيض , ترى هل أستطيع أن أضمن وقوف الدكتور باكستر ألى جانبي؟". " أنك بالتأكيد لن تستطيعي الحصول على مساندة كبيرة من الآنسة باكستر , ألم تتحدث أليك , يبدو أنها لم تستلطفك يا عزيزتي!". منتديات ليلاس
قال ذلك وقد بدت في صوته رنة حزن واضحة , وأنبرت أندريا لتتحدث بصراحة عن هذا الموقف , فقالت : " أنه عدم أستلطاف متبادل ..... أنا وجدتها صعبة المراس...... ومن الواضح أنها تنظر ألي كنموذج لأمرأة تفتقر ألى الأتزان وتندفع على شخصيتها القوية ". " ماذا تعني بذلك ؟". سألت أندريا , وهي تبدو كأنها لا تتابعه ,وأمسك جوي بذراعها برفق قائلا : "يبدو أنك لست قوية الملاحظة هذه الليلة , أن الآنسة باكستر تهتم أهتماما كبيرا بالدكتور فرغسون ". " هل تعتقد أنها تحبه؟". وأجاب جوي : " أنني لا أقول ذلك ب لضبط , ولا أعتقد أنها أسلمت قلبها له أنها فقط تريد زوجا". " وفي أية حال , أعتقد أنهما ملائمان لبعضهما بعضا تماما ". قالتها بعد فترة من التفكير ثم أردفت : " ولكنني لا أرى داعيا للشعور بقلق من ناحيتها , فالدكتور فرغسون لا يمكن أن يكون أكثر فظاظة معي مما هو عليه الآن !". وأتجه جوي مع أندريا ألى مقاعد متراصة تحت شجرة ضخمة في نهاية الحديقة وقال : " ولكن من يعرف ماذا يمكن أن يحدث أذا ما كنتما معا وحدكما في الغابة ؟ أن العشرة عن قرب تكون لها تأثير غير متوقع على الناس , ولا أحد يدري ماذا يمكن أن يحدث في الغد". وتساءلت أندريا في سخرية وهي تتعمد أغاظته: " هل تعتقد أن هذه المعاشرة القريبة يمكن أن يكون لها تأثير عليك أذا كنت بمفردك في الأحراش مع الآنسة باكستر؟". " لا سمح اله..... أنني لا أستطيع معاشرة أمرأة ذات عقلية جادة مثل هذه المرأة ". وضحكت أندريا وهي تسأله : " هل تقصد أنني غير جادة؟". وأجاب : " أبدا يا عزيزتي , أعتقد أنك أكثر ذكاء من معظمهن ولكن أذا تمتعت فتاة بالذكاء يجب عليها أيضا أن تضع ذكاءها تحت قبعة طائشة ". وأدارت أندريا رأسها لتراقب ذبابة ينبعث منها ضوء وهي تحوم بين أغصان شجيرة قريبة , لم تكن تدري حقيقة مشاعرها في هذه اللحظة تماما , فلا تعرف ما أذا كانت تريد منه أن يمسك يدها أو أن يتركها , ولم تلبث أن قالت له بطريقة مهذبة : " جوي لعله من الأفضل أن نعود فربما كان في أعتقادهم أنه لا يليق بنا أن نتجول في الحديقة وحدنا هكذا....". فأندفع جوي يقطع عليها طريق الرجعة , قائلا: " أشك في أنهم لاحظوا خروجنا معا , ثم هل فكرت فيما قلته لك صباحا؟ ". قال ذلك وهو يرفع يدها ويضعها على خده برقة. وقبل أن تجيبه , كانت هناك أصوات رنين بعض النقود المعدنية خلفهما , وعندما أستدارا وجدا الدكتور فرغسون يقف على مسافة قريبة منهما , وكان يرتدي حذاء من المطاط ويسير فوق الأعشاب فلم يشعر أحد بأقترابه , وبطريقة تلقائية سحبت أندريا يدها وشعرت بوجهها يحمر خجلا رغم أن هذا لم يبدو واضحا في ضوء القمر. وقال الدكتور فرغسون : " سنرحل الآن يا آنسة فليمنغ ". " حقا , هل سنرحل الآن ؟ ". وقفزت أندريا فرحة وأتجهت ألى البيت. كانت سعيدة بمقاطعته خلوتهما , ألا أنها كانت في الوقت نفسه تشعر بالضيق بسبب رد فعلها الذي أتسم بالتوتر والشعور بالذنب بعدما رآها مع جوي , صحيح أنها لم ترتكب خطأ .... ولكنها قفزت كما لو كانت لصا فزعا. منتديات ليلاس
وعندما عادوا ألى الأستراحة أقترح جوي أن يتناولوا بعض الشراب ولكنها ألقت عليهم تحية المساء وأتجهت ألى غرفتها , كانت قد خلعت ملابسها ووضعت الكريم على وجهها عندما سمعت أخاها وجوي يتبادلان تحية المساء في الردهة , رغم أنها ظلت تستمع بعض الوقت ألا أنها لم تسمع صوت الدكتور فرغسون وهو يعود ألى الغرفة المجاورة لغرفتها. وأعتقدت أنه يقوم بنزهة حول الحديقة , فأرتدت الروب دي شامبر الحريري وتسللت من غرفتها دون أن يحس أحد بذلك .كان المصباح لا يزال مضاء في الشرفة ووجدته واقفا يستند ألى السياج الخشبي , وبادرته في هدوء قائلة : " هل أستطيع التحدث أليك لمدة دقيقة واحدة؟". وأعتدل الدكتور فرغسون في وقفته وأستدار لها , وألتقت نظراتهما , ثم أومأ أليها أن تجلس وأحست أندريا أنه كان ينبغي عليها أن تستبدل ملابس نومها برداء آخر , فربما يكون من غير المناسب في سونغي موسنغ أن تتحدث أمرأة ألى رجل وهي في هذا الزي ولكنها كانت معتادة على لقاء جوي وأصدقاء أخيها الآخرين عندما يزورونها في الشقة في أي ساعة من الليل أو النهار , ولذلك لم تخطر لها هذه الفكرة من قبل , وقالت : " أشعر أنني أدين لك بالأعتذار يا دكتور فرغسون , وأخشى أنني لم أكن مهذبة بالدرجة الكافية عندما تقابلنا لأول مرة". ولم يجبها على الفور , وشعرت أندريا أنها لم تقابل في حياتها شخصا لا يمكن أن يتعرف الآخرون على حقيقة مشاعره بهذه الدرجة , وبعد فترة قال لها في نبرة خالية من أي تعبير : " أرجو ألا تزعجي نفسك بذلك يا آنسة فليمنغ". " ولكنها الحقيقة , أنني أشعر بالقلق , لقد بدأنا تعارفنا بطريقة غير مناسبة , وربما كان هناك سبب في أنك لا تريد مصاحبتي , لكن أرجوك , هل يمكن أن تعيد النظر في قرارك هذا؟". ورد في أيجاز : " آسف..... لا أستطيع ". وتساءلت في رجاء : " ولم لا ! عاشت المرأة في الغابة , وما رأيك في الأرهابيين الصينيين خلال فترة الطوارىء , كان بعضهم من النساء , وقد عاشت هذه في الغابات لسنوات طويلة ". " فعلن ذلك لأنه لم يكن لديهن أي خيار آخر !". وأبتسمت له وهي تقول : "وما رأيك في المرأة التي كانت تقوم برحلات أستكشاف في أميركا الجنوبية؟ على الأقل ليس هناك صيادون قتلة يقطعون الرؤوس في الملايو". وفي النبرة المحايدة نفسها أجابها قائلا: " ولكن هناك مخاطر أخرى , وفي أية حال فلا يمكن أن تقارني نفسك بالمستكشفين المحترفين يا آنسة فليمنغ, ولو كنت عالمة مؤهلة لأصبح الموقف مختلفا , ولكنني حسب ما فهمت فأن مهمتك تتعلق بالناحية الشكلية وهي مجرد أضفاء المظهر الجمالي على هذه الرحلة ". وأزاء هذا الرأي الذي واجهها به , أصبحت لهجتها أكثر حدة ألى حد ما , وأن حرصت على ألا تفقد أعصابها تماما , وأستطاعت أن ترسم على شفتيها ظلال أبتسامة , وهي تحاول أن توضح الأمور بقولها : " ولكن ما نقوم به ليس مشروعا علميا يا دكتور فرغسون , أننا نعد أفلاما لكي نسلي الناس ولكي نكسب رزقنا , أن تكاليف السفر بالطائرة من لندن ألى سنغافورة باهظة للغاية , وسوف تضيع تكاليف سفري هباء أذا لم أشترك في الفيلم الجديد ". ورد الدكتور فرغسون في جفاء : " ولكنك أن فعلت , فقد يؤدي ذلك ألى خسارة مادية أعظم ". " ماذا تعني بذلك ؟". " أقصد أنه يتعين علينا أما أن نضيع وقتا في أعادتك ألى هنا بعد يومين على الأكثر , وأما أذا أستطعت البقاء معنا فأنك بالتأكيد سوف تنهين الرحلة وأنت في حالة صحية غير طيبة , تتطلب دخولك المستشفى". " ولكنني قوية كالحصان , ولم يحدث أن مرضت في حياتي". وفجأة سقطت من العوارض الخشبية التي تعلوهما شيء على الأرض بالقرب من قدميها , وقفزت أندريا من مكانها بصورة تلقائية , لترى سحلية ذات عينين لامعتين , وذهلت أندريا مما حدث فورا بعد أن سقطت السحلية على الحصيرة أذ أختنق صوتها ثم أبتعدت فزعة مسرعة كالفأرة. وقال لها الدكتور فرغسون في سخرية : " أنها مجرد سحلية , غير ضارة , وسوف تحتاجين ألى أعصاب أقوى عندما تكونين في الأحراش يا آنسة فليمنغ , والآن أقترح أن تذهبي ألى السرير وقد طلبت أن يتم تجهيز الأفطار في السابعة صباحا , طبت مساء". وفي تلك الليلة شعرت أندريا بخيبة أمل شديدة...... كانت تعتقد أنه بأستطاعتها أقناع فرغسون بوجهة نظرها وحمله على تغيير رأيه في عدم أصطحابها معهم, ورغم أنها تماسكت أمامه محاولة أخفاء مشاعر الأحباط التي أنتابها , ألا أنها كانت تشعر فعلا بالحنق أتجاه هذا الطبيب الذي فرغ قلبه من أية مشاعر أنسانية . منتديات ليلاس
وظلت أندريا فترة طويلة تفكر في الحوار الذي دار مع فرغسون , قد يكون على حق بعض الشيء في أمتناعه عن خطورة أصطحابها معهم نظرا للظروف الصعبة التي تتسم بها حياة الأدغال , ألا أن الطريقة المتعالية التي كان يتحدث بها كانت تثير فيها رغبة جامحة للأنتقام منه وتحديه , أن أكثر ما كان يضايقها هو نظرته أليها على أنها مجرد عامل مظهري في مهمة فريق الرحلة من الممكن الأستغناء عنه , وكان ما يقلقها أكثر هو فشلها في الحصول على تأييده ومساندة الآخرين لوجهة نظرها , تبلورت كل هذه المشاعر في هدف واحد , هو أنها لن تستسلم أبدا.... وسوف تثبت للجميع أن بوسع المرأة أن تكون عاملا أيجابيا لا غنى عنه. وفي اليوم التالي بعد الظهر , كانت أندريا وشقيقها يجلسان تحت مظلة في الحديقة بنادي سانغوي موسانغ , يشاهدان الآنسة باكستر والدكتور فرغسون يلعبان التنس تحت وهج الشمس الحارقة , وتساءل بيتر في دهشة : " كيف يتحمل الأثنان هذا الحر اللافح ؟". بينما كانت الكرة تقفز وتعود فوق الشبكة واللاعبان بملابسهما البيضاء يقفزان بنشاط في الملعب المليء بالتراب. ومسح عنقه بمنديله رغم أنه كان مسترخيا في كرسيه , ويرتدي فقط ملابس البحر وصندلا , كان الجو حارا لدرجة أن صدره كان يتصبب عرقا , ووجهه يبدو متوهجا , وصاح قائلا: "يا لها من ضربة خلفية رائعة ". عندما أعادت الآنسة باكستر الكرة ألى خصمها بضربة قوية . وتحدثت أندريا في صوت خفيض وهي تشرب كوبا من عصير الليمون , فقالت : "أذن قررت بصفة نهائية أن تتركني هنا ؟". وكانت هذه هي الفرصة الأولى التي تتاح لها لكي تتحدث ألى أخيها بمفردها , لأن الرجال الثلاثة كانوا قد أمضوا طوال الفترة الصباحية يفحصون أجهزتهم ومعداتهم , وكان عليها هي أن ترافق الآنسة باكستر لشراء بعض الحاجيات. ونظر أليها بيتر نظرة تنم عن عدم الأرتياح , وقال : " أخشى أن يكون ذلك هو الوضع يا آندي , حاولت حمل فرغسون على تغيير وجهة نظره , ولكنه رفض حتى مجرد بحث الفكرة والآن , وبعد أن عايشت هذا الطقس هنا , فأنني أميل ألى الأقتناع برأيه ". " ولكنني لا أشعر بالحرارة بالدرجة التي تحسها ..... كما أن الدكتور باكستر لا يعتقد أن هناك ما يمنع من مصاحبتي لكم , قابلته صباح اليوم وسألته عن ذلك , أن حقيقة الأمر هو أن الدكتور فرغسون لا يحبني , هذا هو كل ما في الأمر بكل بساطة". " أنه لأمر سخيف يا آندي , أعتقد أنه ليس هناك جانب شخصي في مسلكه معك وكيف يمكن أن يكون هذا أنكما لم تتعرفا ألا هنا.... كلا ....... وأرى أنه يعتقد بأخلاص أن هذه الرحلة سوف تكون قاسية جدا بالنسبة أليك ". وأصرت أندريا على موقفها وهي تقول : " ولكنك أنت نفسك ذكرت منذ وهلة أنه لا يعرفني ولذلك فكيف يمكن له أن يحكم علي , صحيح أنني لا أبدو قوية جدا ولكنني لم أشكل أي عقبة في أي يوم من الأيام في أي رحلة من تلك الرحلات التي قمنا بها". " ليست هذه هي المسألة يا آندي , أن ما لا تدركينه هو أنني صممت على مجيئك معنا فأن فرغسون قد يتخلى عن المشروع كله , ألمح ألي بذلك بشكل أو بآخر عندما أثرت معه الموضوع بالأمس". " حسنا , أليس هناك شخص آخر يستطيع أن يكون مرشدا لنا ؟". " أشك في ذلك , في أية حال فالوقت متأخر الآن لكي نغير خططنا , آسف يا عزيزتي ". وعلى مقربة منهما , ظهر جوي خارجا من حمام السباحة في النادي , وسأل : " ألا تنويان السباحة؟". قال ذلك وهو يمشي على الحشائش في الحديقة لكي يلحق بهما. وأجابه بيتر قائلا : " نعم , حالا , في ظرف دقيقة واحدة وهؤلاء هم الآخرون قد أتوا". ونهض بيتر واقفا عندما أقبلت عليهم الآنسة باكستر ووالدها الطبيب , وقالت مارغريت باكستر : " ألا يريد أحد منكم أن يلعب مباراة , أنني أضع مضارب التنس تحت تصرفكم ". كانت بساطة قميصها القطني الأبيض وتنورتها القصيرة تناسب قوامها الرياضي القوي أكثر مما تناسبه ثيابها المعقدة . منتديات ليلاس
ورد بيتر آسفا : " أخشى ألا تكون لنا قدرتك على اللعب , أنك لاعبة ماهرة". وهزت كتفيها قائلة : " يجب أن يحافظ الأنسان على لياقته , أن أوروبيين كثيرين هنا يهملون أنفسهم حتى توهن أجسادهم , هل تلعبين يا آنسة فليمنغ ؟". " أخشى ألا أعرف ...... لقد تعلمت هذه اللعبة في المدرسة , ولكنني لم أتقنها". وردت الفتاة الأكبر سنا : " سأقوم بتدريبك بعض الوقت أذا شئت , وسيكون ذلك مسليا لك أثناء تغيب الرجال عنا ". " أشكر لك أهتمامك وعطفك ... ألا أنني لا أعتقد أنني أميل ألى التنس !". وتدخل جوي وقال في كسل بعد أن أطفأ سيكارته : " لا بأس يا عزيزتي , لديك مواهب أخرى كثيرة أنني ذاهب ألى الماء مرة أخرى وأسبحي معي". ونهضت أندريا من مكانها وخلعت السترة التي كانت تغطي لباس البحر , وعندما كانت تهم بأرتداء غطاس الرأس , أحست أن الآخرون يتطلعون أليها , فشعرت بشيء من الخجل . وكانت مياه حوض السباحة فاترة وتفوح منها رائحة الكلور , ولم تنتظر أندريا طويلا , وأنما قفزت على الفور ألى الحوض وتبعها جوي الذي ظل يعوم ويغطس خلفها حتى وصلا ألى منطقة قليلة العمق , وعندئذ ألتفت أليها جوي قائلا : " أسمعي يا أندريا , أريد أن أقول لك شيئا , أنك قد تكونين عاجزة في ساحة التنس ولكنك قوية ماهرة هنا". قال ذلك وهو يحاول اللحاق بها. وضحكت أندريا وقالت له: " لم تكن تسبح كما يجب , ولا شك أنك تستطيع اللحاق بي بسهولة أذا أردت". " ربما , ولكنني لست مستعدا هذه الأيام للدخول في مسابقات لسباحة المسافات الطويلة ". " أذن عليك أن تمارس حياة معتدلة أكثر". " فعلا , يجب أن أفعل ذلك بمجرد أن نبدأ وحسب ما أتوقع , فأنني أشعر أننا سنعيش على لحوم البقر المحفوظة وأقراص الفيتامين". وردت أندريا وهي تسبح : " أتوقع أن تبقى حيا ". كانت أندريا تعشق المياه وتهوى السباحة دائما , وكانت تحس أنها تتخلص من كل مشاكلها بمجرد دخولها ألى أعماق المياه في حركة نشيطة لتستكشف الأعماق القائمة , ولمحت أندريا على سطح الماء قريبا منها شخصا يسبح , كان يرتدي لباس بحر قصيرا أسود , وأعتقدت أنه بيتر , فأقتربت منه وأمسكت برسغ قدمه وجذبته , أنها لعبة طريفة طالما كانا يمارسانها , وتنتهي غالبا بسباق بينهما عبر الحوض , ألا أنه في هذه المرة وقبل أن تستطيع الفرار منه , شعرت أن يدين قويتين تمسكانها من وسطها بقوة وتجذبانها ألى عمق المياه , ولو كانت اليدان لشقيقها لما قاومت ولكنها شعرت على الفور أن هاتين اليدين اللتين تحيطان بوسطها ليستا يدي بيتر , وأحست بالفزع الشديد وحاولت تخليص نفسها ..... ثم هاجمتها الآلآم في صدرها وأصبحت صفحة المياه سوداء في عينيها , وغابت عن الوعي وهي ممسكة بالشخص ولم تشعر ألا وهي تسبح على سطح المياه مرة أخرى وهي ممسكة بالشخص الذي كان يمزح معها . " هل تشعرين أنك أحسن الآن؟". سألها فرغسون في فتور بعد أن جلسا معا على طرف منصة الوثب , وبدأت أندريا في ألتقاط أنفاسها مرة أخرى بطريقة عادية وقالت في نبرة ندم : " آسفة , أعتقدتك بيتر". وكان قلبها ما زال يدق بقوة , وساقاها نال منهما الوهن , وجاءها صوته وهو يرد عليها بجفاء قائلا : " نعم , تبينت ذلك .... ورغم أنك لا تحبينني ..... ألا أنني متأكد أن لديك من الرقة ما يمنعك من محاولة أغراقي بمثل هذه الطريقة وفي مكان عام". وخلعت أندريا غطاء رأسها وقالت , في سخرية وأستياء : " أنك أنت الذي أغرقتني تقريبا". " ربما المزاح الخشن يمكن أن يؤدي ألى عواقب خطيرة أذا كان الضحية شخصا لا يعرف السباحة جيدا". " أنني لا أفعل ذلك مع شخص لا يعرف السباحة جيدا , وكما قلت لك أخطأتك وظننت أنك بيتر , أنه يستطيع السباحة كالسمكة , ولم يكن مزحي معه ليخيفه". " أنك تسبحين جيدا , ولكنك كنت خائفة". " نعم .... لأنني عرفت أنك أنت". قالت هذه العبارة دون أدنى تفكير وبعدها رفع فرغسون حاجبيه مستغربا , ثم قال : " أنك قد لا تحبينني يا آنسة فليمنغ , ولكنني لم أكن أعتقد أن هناك ما يدعو ألى أن تخافي مني". وقالت أندريا متلعثمة : " ولكنني لم أقصد ذلك أبدا". " أذا ما الذي تقصدينه بالضبط؟". وجلس بعيدا عنها وهو يتمدد تحت وهج الشمس , وكانت كتفاه البنيتان تلمعان في ضوء الشمس , وكانت السلسلة الفضية التي يضعها حول عنقه تبرز سمات جسمه الرياضي القوي. وقالت أندريا في ضعف : " حسنا , أربكتني وأشعلت الرعب في نفسي , وأنني أكره أن أفقد رباطة جأشي وأتزاني ,وأعتقد أن كل الناس جميعا كذلك". " ولكنك أنت تشعرين بذلك أكثر من الناس جميعا". وأسندت أندريا ظهرها ألى مسند كرسيها متجنبة النظر أليه , وقالت بنبرة جافة: " ما الذي تعنيه هذه العبارة ؟". منتديات ليلاس
ووضع يده على معصمها , وأحس بضربات قلبها السريعة , وقال : " لدي أنطباع بأنك تكرهين أي نوع من التوتر يا آنسة فليمنغ , وعلى أية حال فأنني آسف لأنني تسببت في أزعاجك , لم يكن الأمر مقصودا وأقترح عليك أن تستريحي في الظل بعض الوقت وسأطلب من الخادم أن يحضر لك فنجانا من الشاي". وفكرت أندريا لفترة من الوقت : هل ما يقوله هو مجرد أقتراح أم أنه يصدر أوامره لها؟ لو كانت لم تخلع غطاء رأسها لقفزت مرة أخرى ألى حمام السباحة. ونهضت واقفة وسارت بعيدا وكان ظهرها مستقيما تماما , واعد دقائق , كانت أندريا تجلس تحت المظلة ثانية ومعها جوي , وسأللها مستفسرا: " ما كل هذا الذي كان يدور بينكما؟ أخبريني يا آندي ". وسألته بدون أكتراث: " ماذا؟". فقال : " تصادف أنني ألتفت فشاهدتك مع الدكتور ثم جلستما معا على حافة منصة الوثب ودار بينكما حديث ودي". وفي أيجاز شديد روت له ما حدث وسألته: " أين بيتر الآن؟". " أنه في مبنى النادي يبحث عن بعض الصحف". ولم يكد جوي ينطق بهذه العبارة حتى لفت نظره مشهد معين , وكان أن أشار ألى أمرأة تتأهب للسباحة على الجانب الآخر , وألتفتت أليها أندريا , كانت الآنسة باكستر التي قفزت من فوق منصة الوثب ألى عمق الماء كما لو كانت في سباق مع آخرين , ثم صعدت فوق المنصة التالية وتوقفت لحظة ثم غاصت مرة أخرى وفي زحفات قوية منتظمة سبحت طول الحوض. وتمتم جوي قائلا: " لا بد أن يحتفظ المرء بلياقته ". وضحكت أندريا وأسترخت قليلا , وأن كان عقلها مشغولا بما حدث لها تحت الماء منذ قليل . وخرج الخادم من مبنى النادي يحمل صينية الشاي , وقد تبعه الدكتور فرغسون الذي أتجه ناحية منصة الوثب . وفجأة تذكرت أندريا كيف كانت منذ دقائق أسيرة له تحت سطح الماء , وسرت رعشة في جسمها وأثناء ذلك تمتم جوي ببعض الكلمات وتنبهت وأستدارت أليه قائلة : " آسفة , ماذا تقول يا جوي؟". وعاد يقول بصوت واضح النبرات : " كنت أريد أن أسألك أذا كنت ترغبين في أجراء تدليك للعمود كي تشعري بالراحة". ونهضت أندريا أندريا لتأخذ صينية الشاي من الخادم وقد تجاهلت تماما سؤاله , ثم لم تلبث أن قالت : " أه........ أنه الشاي ..... هل تريد فنجانا يا جوي؟". " لا ..... أشكرك". ونهضت وأقتربت بكرسيها ألى جواره , فقالت له: " جوي , أرجوك". وفجأة , عاد بيتر مما أشاع شعورا بالراحة في أعماقها , ألا أنها طيلة فترة بعد الظهر كانت تشعر كلما نظرت ألى جوي أن هناك في عينيه ومضة من السخرية , وعرفت أنه لن يتركها وشأنها بهذه البساطة! كان كل ما يهتم به جوي هو أن يتودد أليها محاولا أستمالتها بعد أن شعر أن أهتمامها أصبح منصبا على أقناع فرغسون برأيها , وكانت هي تحس أن الطريق ما زال طويلا وشاقا قبل أن تستطيع أقناع جميع من حولها بأهمية أشتراكها في المهمة التي يقوم بها فريق الرحلة , صحيح أن علامات الضعف ظهرت عليها مرتين , وكانت الأولى عندما أصابتها رجفة شديدة نتيجة سقوط سحلية ألى جوارها , في تلك الليلة عندما كانت تتحدث ألى فرغسون , والثانية عندما كادت تغرق في حوض السباحة لولا أنه تمكن هو من أنتشالها , ولكنها رغم كل ذلك كانت تبدو مصممة على الأحتفاظ برباطة جأشها , وأستجمعت أندريا كل شجاعتها وقوتها , وقررت في حزم ألا تستجيب لكل محاولات الأغواء التي يمارسها جوي معها , أن ما يشغلها الآن قضية أهم بكثير من كل عواطف المرأة , أنها قضية تتعلق بالتعبير عن الذات , وهي حريصة على أن تعبر عن ذاتها , مهما كانت الظروف , ومهما كان الثمن. منتديات ليلاس
وفي تلك الليلة , تناولوا طعام العشاء مع عائلة باكستر مرة أخرى , ثم نشر الدكتور فرغسون شاشة وعرض عليها شرائح ملونة لبعض الصور التي كان قد ألتقطها في رحلة سابقة في الأحراش. وجلست أندريا ألى جوار جوي على أريكة مكتوفة اليدين حتى لا يحاول أمساك يدها , وبالتأكيد كان جوي ينظر أليها طوال الوقت أكثر مما كان يتطلع ألى شاشة العرض , كانت تشعر أنه يراقبها معظم الوقت حيث كانت الغرفة شبه مظلمة , ألا أنها ركزت عينيها على الشاشة وعلى الشرح الذي كان يقدمه الدكتور فرغسون عن هذه الصور. وكانت بعض الصور عبارة عن لقطات لنساء من أهل البلاد الأصليين , وأخرى لأطفال يستحمون في النهر شكلت فيه الصخور الضخمة حمامات للسباحة قليلة العمق وشلالات متلألئة. وتمتم الدكتور باكستر قائلا: " أنها الجنة المفقودة". قالها عندما كان الجميع يشاهدون شريحة تبين صورة فتاة من قبيلة التاميار ذات شعر أسود ترتدي سارنغ برتقالي اللون يلتف حول الجزء الأدنى من الجسم على شكل تنورة , وكانت تغسل رداء مماثلا في مياه النهر . وقالت أندريا : " يا له من مكان رائع , هل ستذهبون ألى هذه المنطقة أثناء رحلتكم؟". ونظر أليها الدكتور فرغسون قائلا : " نعم..... ولكن لا تتخيلي أن هذه الصور هي نموذج للحياة في هذه الغابة ". ورفع الدكتور فرغسون الصور من جها العرض , وأمضى الوقت يبحث عن صورة أخرى في الصندوق , وفي النهاية وضع صورة دفعت بيتر بمجرد عرضه ألى أطلاق صفير خفيف مفاجىء....... كانت الصورة هذه المرة تمثل أمرأة زنجية ذات أنف وجبهة مشوهتين بسبب مرض مروع. وقال الدكتور فرغسون بأسى على أستفسار بيتر : " أنها حالة سيئة من داء المصع( مرض كثير الأنتشار في المناطق الأستوائية) , ولكنه نظر ألى أندريا مرة أخرى وهو يضيف: " أنه مرض معد.....". وكانت أندريا تشعر بأنه تعمد عرض هذه الصورة بالذات لكي يشيع في أعماقها الشعور بالرعب , فلا تفكر في الذهاب معهم في هذه الرحلة , كان أصراره واضحا منذ البداية على أن يتخذ كل الوسائل التي تحقق له هذا الهدف مهما كانت محاولاتها , وأدركت أندريا ذلك فأنصرفت ألى غرفتها. وأمضت أندريا صباح اليوم التالي بمفردها في شرفة الأستراحة , أما الآخرون فقد توجهوا لمشاهدة منجم قصدير عند مشارف المدينة , وكان الدكتور فرغسون قد قرر بأسلوبه المتسلط المعتاد , أنها سوف تجد هذه الرحلة متعبة وغير مسلية , فذهب الجميع وبقيت وحدها! وقبل موعد الغداء بوقت قصير عاد جوي وهو يركب عجلة تريشا يقودها رجل صيني يرتدي قميصا ممزقا قصيرا وقبعة قديمة , وعندما كان جوي يصعد السلم , سألته أندريا : " وأين الباقون ؟". " أنهم يتناولون طعام الغداء في مطعم هندي في المدينة أما أنا فغير مولع بالكاري الهندي , ولذلك فضلت أن أعود لأكون ألى جانبك , لكن قولي لي بالله عليك , كيف أستطعت البقاء هنا دون أن تشعري بحرارة الجو؟". منتديات ليلاس
وردت أندريا وهي تحرك مروحة مصنوعة من النبات الملون : " أعطاني الخادم هذه المروحة". ودق جوي الجرس وعندما ظهر الصبي طلب عصير فاكهة لأندريا وكوبا باردا لنفسه . وقال جوي : " كان أملي أن أجدك بمفردك , لا تخافي أنني لا أقصد ملاطفتك , ربما يحدث ذلك فيما بعد , ولكن هناك أولا شيئا أريد أن أقوله لك ". وأنتظر حتى أحضر الصبي المشروبات التي طلبها ثم قال : " أما زلت حريصة على أن تأتي معنا , أم أن هذه الصورة التي شاهدتها بالأمس جعلتك تعدلين عن موقفك؟". وقالت أندريا في فتور : " تقصد صورة المرأة المريضة المشوهة الوجه؟ أستطيع أن أقول أن عرض هذه الصورة كان شيئا مقصودا ولكنها لم ترعبني". " حسنا , في هذه الحال , أعتقد أننا نستطيع التحايل بعض الشيء". " التحايل...... ماذا تعني بذلك؟". وأشعل جوي سيكارة قبل أن يرد قائلا: " أقصد أنني فكرت في طريقة نستطيع بها حمل فرغسون على الموافقة , فنضعه في موقف لا يكون أمامه مجال للأختيار ألا أصطحابك معنا , ما رأيك أنها فكرة جريئة وجميلة , وقد لا تكونين مستعدة لتنفيذها , ألا أنني أمضيت نصف الليلة الماضية وأنا أفكر فيها , وهي البديل الوحيد لتخلفك هنا وحدك". وتساءلت أندريا : " ما هي الفكرة , لم تقل لي شيئا عنها بعد , جوي لا تجعل حديثك مطاطا , غير قاطع , أخبرني ما هي الفكرة ". وتلفت جوي حوله ليتأكد من أن الصبي لا يحوم حول المكان , ثم أرتشف قليلا من الكوب وأقترب منها قائلا : " حسنا..... سأشرح لك الفكرة , لكن لا تقولي أنها حمقاء قبل أن أنتهي من عرضها تماما". وكانت أندريا تشعر بأنه تعمد عرض هذه الصورة بالذات لكي يشيع في أعماقها الشعور بالرعب , فلا تفكر في الذهاب معهم في هذه الرحلة , كان أصراره واضحا منذ البداية على أن يتخذ كل الوسائل التي تحقق له هذا الهدف مهما كانت محاولاتها , وأدركت أندريا ذلك فأنصرفت ألى غرفتها. وأمضت أندريا صباح اليوم التالي بمفردها في شرفة الأستراحة , أما الآخرون فقد توجهوا لمشاهدة منجم قصدير عند مشارف المدينة , وكان الدكتور فرغسون قد قرر بأسلوبه المتسلط المعتاد , أنها سوف تجد هذه الرحلة متعبة وغير مسلية , فذهب الجميع وبقيت وحدها! وقبل موعد الغداء بوقت قصير عاد جوي وهو يركب عجلة تريشا يقودها رجل صيني يرتدي قميصا ممزقا قصيرا وقبعة قديمة , وعندما كان جوي يصعد السلم , سألته أندريا : " وأين الباقون ؟". " أنهم يتناولون طعام الغداء في مطعم هندي في المدينة أما أنا فغير مولع بالكاري الهندي , ولذلك فضلت أن أعود لأكون ألى جانبك , لكن قولي لي بالله عليك , كيف أستطعت البقاء هنا دون أن تشعري بحرارة الجو؟". منتديات ليلاس
وردت أندريا وهي تحرك مروحة مصنوعة من النبات الملون : " أعطاني الخادم هذه المروحة". ودق جوي الجرس وعندما ظهر الصبي طلب عصير فاكهة لأندريا وكوبا باردا لنفسه . وقال جوي : " كان أملي أن أجدك بمفردك , لا تخافي أنني لا أقصد ملاطفتك , ربما يحدث ذلك فيما بعد , ولكن هناك أولا شيئا أريد أن أقوله لك ". وأنتظر حتى أحضر الصبي المشروبات التي طلبها ثم قال : " أما زلت حريصة على أن تأتي معنا , أم أن هذه الصورة التي شاهدتها بالأمس جعلتك تعدلين عن موقفك؟". وقالت أندريا في فتور : " تقصد صورة المرأة المريضة المشوهة الوجه؟ أستطيع أن أقول أن عرض هذه الصورة كان شيئا مقصودا ولكنها لم ترعبني". " حسنا , في هذه الحال , أعتقد أننا نستطيع التحايل بعض الشيء". " التحايل...... ماذا تعني بذلك؟". وأشعل جوي سيكارة قبل أن يرد قائلا: " أقصد أنني فكرت في طريقة نستطيع بها حمل فرغسون على الموافقة , فنضعه في موقف لا يكون أمامه مجال للأختيار ألا أصطحابك معنا , ما رأيك أنها فكرة جريئة وجميلة , وقد لا تكونين مستعدة لتنفيذها , ألا أنني أمضيت نصف |
| | | ???? زائر
| موضوع: رد: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:37 am | |
| الفصل الثالث ـــ عبر الغابة , وسط القبائل وفي ساعة مبكرة جدا من صباح اليوم التالي , خارج بيت أسرة باكستر , عانقت أندريا شقيقها بيتر مودعة : " ألى اللقاء ....فلتكن رحلة موفقة ..... أعتن بنفسك......". " ألى اللقاء يا أندريا...... أنني آسف لأنك لم تستطيعي المجيء معنا". وبعد أن طبع قبلة على خد شقيقته أخذ مكانه في المقعد الخلفي من سيارة الدكتور باكستر . كان على الدكتور باكستر أن يصطحب في سيارته الشبان الثلاثة مسافة خمسة أميال خارج المدينة ألى منطقة كامبونغ بالملايو , حيث يدخلون من هناك ألى الأحراش . ومدت أندريا يدها ألى الدكتور جيمس فرغسون وهي تحييه قائلة : " ألى اللقاء يا دكتور وحظا سعيدا". كان فرغسون في صباح ذلك اليوم يرتدي زيا خاصا بالأحراش وحذاء عاليا تستخدمه قوات الأمن البريطانية في حالات الطوارىء , كما تمكن من الحصول على زي لكل من بيتر وجوي , ورد الدكتور فرغسون : "ألى اللقاء يا آنسة فليمنغ". قالها بدون أن يبتسم كما فعلت هي , وكانت تأمل أن تثير أبتسامتها له شيئا في نفسه , ألا أنه كعادته ظل فاترا.أن المرة الوحيدة التي أظهر فيها بعض مشاعره الدافئة , كانت حينما أتجه ألى مارغريت باكستر يودعها . وربت جوي على ذراع أندريا وقال في صوت خفيض: " الخطة مستمرة , ألى اللقاء يا آندي , أجعلي سلوكك طيبا". دعتها مارغريت باكستر ألى الدخول لتناول القهوة بعد أن أختفت السيارة , ونادت الخادمة الصينية وأصدرت أليها تعليمات ثم عادت ألى مكانها وجلست أمام مائدة الأفطار وسألت أندريا : " والآن .... ما الذي تريدين أن تفعليه هذا الصباح؟". منتديات ليلاس
" أوه...... أعتقد أنني سأعود ألى الأستراحة لأغسل شعري". وقالت مارغريت : " نعم , أنك تبدين متعبة , يحسن أن تأخذي الأمور ببساطة اليوم وغدا ربما نستقل السيارة ألى منطقة أيبوه , ونتسوق بعض الأشياء". وعندما عادت ألى الأستراحة , تأملت نفسها في المرآة المعلقة على الحائط في غرفة النوم , وتساءلت أذا كانت قد جنت لكي تقبل خطة جوي , وفي أية حال فات الوقت الذي كانت تستطيع فيه أن تغير رأيها ... ولو أمتنعت عن تنفيذ الخطة فسوف يعتقد أن هناك شيئا خطيرا حدث , ويدق ناقوس الخطر , ألا أنه مع مضي صباح ذلك اليوم أزدادت مخاوفها , وعندما كتبت رسالة أيضا ألى الدكتور باكستر , تملكها أغراء قوي بأن تتجه ألى غرفة العمليات الجراحية الخاصة به , وأن تفضي أليه بكافة تفاصيل المشروع وتسأله النصيحة . وفكرت أندريا قائلة : " ولكن لماذا ألقي على عاتقه بهذه المسؤولية , أن ذلك لن يكون عدلا , كما أنه بهذه الطريقة أذا حدث شيء خطأ , فسوف أكون المسؤولة الوحيدة , وأذا ألتزمت بالتعقل ,ولم أتصرف في جنون فلن يحدث أي خطأ ولم يكن هناك أحد في الأستراحة , أذ توجه الصبية ألى مكان أقامتهم بعد أن قدموا لها طعام الغداء , كانت المنطقة المجاورة كلها تغط في نعاس عميق أثناء فترة ما بعد الظهيرة الشديدة الحرارة. وأغلقت أندريا حقيبتها التي تحتوي حاجياتها التي تنوي تركها وراءها , وتركت رسالتها المعنونة ألى الدكتور باكستر على المنضدة عند المدخل , وفي الساعة الثانية والربع علقت حقيبة يدها على كتفها وهرعت ألى اللقاء الذي كان جوي أعده لها , وحتى لا تثير الأنتباه , حرصت أن تظل مرتدية الملابس العادية , وبعد أن تلفتت حولها لم تجد أحدا يلاحظها , ثم رأت عربة أجرة قديمة واقفة على مسافة خمسين ياردة , وعلى مقربة منها , وتحت ظل شجرة كان هناك شاب من الملايو جاثما يدخن. وعندما أقتربت منه نهض واقفا , ونظر كل منهما ألى الآخر في حذر وكان الأنطباع الذي أخذته أندريا عنه مطمئنا , ورغم أنه كان أقصر منها عدة بوصات , ألا أن بنيته كانت قوية , وكان مظهره يدل على الذكاء وملابسه نظيفة. وألقى الشاب عليها تحية أهل الملايو التقليدية تابك , ومد يده أليها لكي يحمل عنها حقيبة يدها . وبعد أن أحست أندريا بالأرتياح أتجاه مظهره المطمئن , أبتسمت وردت عليه التحية قائلة : " تابك". وأقتادها ألى الباب الخلفي من سيارته وكان المقعد مغطى بقطعة نظيفة من القماش المزركش ثم وضع حقيبتها في المقعد الأمامي بجواره , وأستدار أتجاه الناحية الأخرى كي يأخذ مكانه خلف عجلة القيادة , وعندما بدأ في أدارة محرك العربة , ألتقطت أندريا أنفاسها بأرتياح , ومهما كان الأمر حسنا أم سيئا , فأنها ماضية في طريقها. وتنازعت أندريا مشاعر كثيرة مختلفة ومتناقضة , فالخطة التي أقدمت على تنفيذها دون تردد بحق , أختبارا لقوتها وأرادتها , كانت أندريا تدرك تماما أن هناك مصاعب جمة سوف تصادفها أثناء تنفيذ الخطة ولعل أقلها خطورة أعتمادها على أشخاص غرباء عنها تماما- فمن يدري كيف سيعاملونها وهي برفقتهم وحدها , أنها حتى قد تعجز عن التفاهم معهم أثناء الطريق , ألا أن الحافز على الأقدام على هذه المغامرة غير المأمونة كان يدفعها ألى المضي دون تردد. وكان هناك عامل واحد فقط يثير قلقها وحيرتها , أن الدكتور باكستر يعتبر نفسه الآن مسؤولا عنها بعد رحيل الرفاق الثلاثة , وغيابها فجأة عن البيت قد يدفعه ألى اللحاق بها لثنيها عن القيام بهذه الرحلة المحفوفة بالمخاطر , بل أن مارغريت قد تحثه هي الأخرى على ضرورة وقف هذه المغامرة وأعادتها ألى البيت , أن الآنسة باكستر يهمها ألا تلحق أندريا بالدكتور فرغسون , فربما تصورت أن هدف أندريا هو تعقبه دائما لأيقاعه في حبها. وأمضت الليل في الكوخ الصغير في قرية تطل على مساحة مائية تقع على مسافة قريبة من القرية الأكبر التي أتجه أليها في وقت مبكر الرجال الثلاثة. وكانت تسمع وهي راقدة في الظلام , على خشبة مملوءة بالنبات المجفف – صوت أمواج النهر ترتطم برفق على ضفتيه على مسافة عشرين ياردة , ومن مكان أكثر قربا خارج غرفتها مباشرة ,كان هناك صوت آخر يصل ألى سمعها ...... أنه صوت التشخير الهادىء لأسماعيل مرشدها الذي كان يغط في نومه , ترك سيارة الأجرة عند القرية حيث قام الأثنان بتغيير ملابسهما , وتركت فستانها وصندلها لدى شقيقة أسماعيل الجميلة زاكاريا. منتديات ليلاس
وكان الأثنان قد وصلا ألى مكانهما الحالي عبر طريق ضيق في غابة فرعية , وقد شق أسماعيل طريقه وهو يتسلح بآلة حادة كان يحطم بها أي عائق أرضي , ألا أنه نظرا لأن الآخرين أستخدموا الطريق نفسها منذ ساعات قليلة فقط فلم تكن هناك حاجة لأستخدام هذه الآلة , ومع ذلك فأن الظلام حل عليهما عندما سمعا أخيرا صوت النهر أمامهما. وكان شيخ القريبة من النهر يرتبط بصلة قرابة بأسماعيل , ولم يكن يتحدث الأنكليزية , ألا أن مسلكه كان وديا وكانت زوجاته الثلاث مبتهجات بالهدايا الصغيرة التي قدمتها أندريا أليهن , ورغم أنها أحست كأنها في بيتها تماما بين هؤلاء الناس البسطاء الكرماء , ألا أنها وجدت من الصعب عليها أن تنام. كان جوي قد دفع لأسماعيل أجر خدماته , ألا أن أندريا عندما حيته مودعة في صباح اليوم التالي , وضعت في كفه مبلغا آخر مكافأة له – وكانت أندريا آسفة للأفتراق عنه لأنه كان يعرف الأنكليزية ألى حد ما , وكان يتعين عليها من الآن أن تعتمد على القدر البسيط الذي تعرفه من لغة الملايو , بالأضافة ألى التعبير عن النفس بلغة الأشارة. وعندما تركها أسماعيل أصبحت أندريا في حماية صالح الأبن الأصغر لرئيس القرية الذي كان عليه أن يأخذها عبر النهر ألى مخيم آخر أكثر بعدا , وطوال هذا اليوم ظلت أندريا قابعة في زورق طويل بينما كان صالح وراءها يوجه بقوة المجاذيف المصنوعة محليا , كان شابا قويا , ولم تظهر عليه أية علامات أعياء وهو يجذف تحت وهج الشمس ألا أن أندريا غرقت في عرقها في الحال , وكان لنظاراتها الشمسية الفضل في أنها حجبت عنها ضوء الشمس القوي المنعكس على سطح المياه. وعلى النقيض من الضوء الساطع الذي يغمر مياه النهر , كان من المستحيل لأي شعاع أن يخترق الأحراش على جانبي النهر , وكان النهر في معظم الطريق هادئا بطيئا , ألا أنه كانت هناك بعض الفترات التي أندفع فيها الزورق بقوة المياه الهائجة , وكانت أندريا تمسك بجانبي الزورق تحسبا لأحتمال سقوطها في المياه الهائجة , ألا أن ذراعي صالح القويتين أستطاعتا أن تسيطرا على الزورق وأن تتجها به ألى المياه الهادئة مرة أخرى. ورغم أن الناس في القرية التالية كانوا بعيدين جدا عن الحضارة والمدنية , وربما لم يشاهدوا طوال حياتهم أمرأة بيضاء , ألا أنهم أستقبلوها بالتحية والمودة كما فعل مضيفوها في القرية السابقة , وأوضحوا لها في أشارات متقنة أن الرجال الأنكليز الثلاثة رحلوا عنهم مع مطلع الشمس لتسلق التل العالي في أتجاه الشرق , وأنهم ربما وصلوا الآن ألى الجانب الآخر. وكان جوي أبلغها أنه أثناء اليومين الثاني والثالث سوف يفعل كل ما يستطيع كي يعطل مسيرة الآخرين حتى تتمكن أندريا من اللحاق بهم ...... ألا أنها كانت تعرف أنه يتعين عليها أن تسرع الخطى كي تلحق بهم في الليلة التالية. وفي ساعة مبكرة جدا من الصباح التالي , بدأت هي وصالح في تسلق التل , وكان الوقت قد تجاوز الظهيرة عندما وصلا ألى قمة التل ورغم أن صالح كان يحمل عنها حقيبتها فأن أندريا شعرت بالأرهاق وأرادت أن تستريح , ولكنها بعد أن أستراحت لمدة ربع ساعة فقط تناولت أثناءها طعامها , نهضت مرة أخرى لتواصل مسيرتها. وأثناء نزولهما من فوق التل , كان السير أكثر سهولة ...... ألا أن الطقس فوق قمة التل كان باردا نسبيا , أما الآن فمع كل خطوة أتجاه السفح كانت درجات الحرارة والرطوبة تزداد ألى أن أصبح الجو مرة أخر يشبه تماما جو الحمام التركي. ونظرا لأنها كانت تعرف أن الظلام يهبط على الأحراش قبل وقت طويل من غروب الشمس في القرية , رفضت أن تستسلم للتعب وأستمرت في سيرها رغم ما شعرت به من أرهاق وعطش. وأحست أندريا أن حالتها أصبحت أفضل قليلا من قبل عندما توقفت لتشرب من جدول مائي , أما صالح قد رش الماء على صدره , وغسل قدميه ورغم أنه لم يكن يرتدي غير سروال قصير وحذاء تنس قديم , فأنه لم يخشى الثعابين أو الحشرات السامة. وأستمرا يعبران النهر الصغير في سلوك الطريق الذي سبقهما أليه الرجال الثلاثة في اليوم السابق – ولكن عندما أشرفت الشمس على المغيب وبدأ يسود المكان جو الغسق الذي يبعث في النفس شيئا من الخوف , أوقف صالح فجأة الزورق وأشار أليها بأن تنصت ألى شيء , ولم تكن أندريا تسمع شيئا سوى صرخات خفيفة لطيور فوق الأشجار في مكان ما على أرتفاع سبعين قدما , ألا أنه يبدو أن أذني صالح الحساستين سمعتا صوتا آخر , وتبينت أندريا مما بدا من أشارات عنه أنهما لن يتقدما بالزورق في المياه أبعد من ذلك كثيرا. منتديات ليلاس
وبعد نحو خمسين ياردة نزلا ألى هضبة من الصخور وبجوارها ألى اليمين جدول تندفع المياه منه بقوة. وطلب صالح من أندريا ألا تتكلم وأقتادها في صمت ألى جانب الصخرة التي تشكل قمة جرف مائي آخر ........ وهناك تحتها...... كان جوي يستحم في مستجمع مياه تحوطه الصخور . وشعرت أندريا بالأرتياح عندما رأته حتى كادت تبكي من فرط سعادتها ألا أنها تماسكت وشكرت صالح بحرارة وبشدة لمساعدته آملة أن يفهم نغمة صوتها أن لم يكن يفهم كلامها , وأعطته ساعة اليد الخاصة بها وكذلك رزمة من الدولارات. وقبل صالح وهو يشعر بالبهجة نتيجة لهذه المنحة غير المتوقعة – دعوتها لتناول بعض الطعام وتمضية الليلة ثم أختفى في الأحراش مرة أخرى وكأنه يجد فيها بيته وملاذه. ويبدو أن جوي كان في مفرده , وبعد أن نظرت أندريا حولها للتأكد من ذلك أنطلقت أليه وعندما رآها تقترب ألى الجدول المائي , خرج من المياه وأسرع ألى الهضبة. " لقد فعلتها , أنك فتاة ممتازة ! أنجزت المهمة بطريقة سليمة". كان يبدو سعيدا بلقائها , وعندما كانا يبتعدان عن هذا الموقع , سألته أندريا في قلق: " أين الآخرون ". " ذهبا يحاولان أصطياد بعض الأسماك ولن يعودا قبل غروب الشمس, أنني أرى أنك منهكة يا عزيزتي هل مررت بتجربة بمثل هذه الصعوبة من قبل؟ وأين الشاب الذي أصطحبك ألى هنا؟". " رحل , وسأقول لك كل ما حدث فيما بعد , والآن أود أن أنظف نفسي قبل أن يعود الدكتور فرغسون ". وأنطلقت أندريا ألى حوض السباحة الصخري , وكان جوي يتحدث أليها وهي تصلح من هندامها . " أصارحك بأنني كنت أشك بعض الشيء في مجيئك , هناك فتيات كثيرات لا يستطعن تحمل ما عانيته , شعرت أنا نفسي بالعناء في الرحلة ". ومرت فترة قصيرة وهي تحاول أستعادة مظهرها العادي قبل مجيء الآخرين , كانت تود أن تبدو أمامهم هادئة متماسكة كأنها قطعت رحلتها بطائرة هليكوبتر. وبعد أن أعد جوي لها القهوة قال : " أشربي , سوف تنعشك , فأنت تحتاجين لكل شجاعتك عندما تقابلين فرغسون". ومع رشفات القهوة , سرحت أندريا بخواطرها , لقد كانت تشعر من أعماقها بفرحة الأنتصار على غطرسة هذا الرجل أذ حققت ذاتها , وتصورت أندريا ذلك الحوار الذي يمكن أن يدور بينها وبين الدكتور فرغسون عندما يصعق برؤيته لها في تلك المنطقة من الأدغال. " مرحبا يا دكتور فرغسون , كيف كانت رحلتكم ألى هنا ؟". " لا بأس , ولكن كيف عرفت طريقك ألى هنا ؟ ألم ننصحك بعدم المجيء معنا حتى لا تتعرض فتاة مثلك لمشقة الطريق؟". " كان الطريق سهلا يا دكتور فرغسون , بل أنه أسهل كثيرا مما كنت أتصور , وجدت ترحيبا من الأهالي الأصليين في المنطقة , ليتكم كنتم معي حتى تلمسوا بأنفسكم م صادفته من مودتهم وأحترامهم". " حسنا ......يجدر بك الآن أن تستريحي بعض الوقت قبل أن نستأنف بقية الرحلة". " كلا , يا دكتور فرغسون , جئت الآن لمعاونتكم , ولست من حاجة ألى الراحة , ما هي المهام التي ترغبون في أن أقوم بها للتخفيف عنكم". وأفاقت أندريا من هذا الحوار الذي تخيلته , لتجد نفسها في مواجهة الواقع , وكان هذا الواقع قاسيا , ولذلك شعرت برعدة خفيفة تسري في جسمها وقالت لجوي : " أنني لا أعرف ما الذي سيقوله ؟". " سيقول كلاما مدمرا بلا شك , ولكنه لن يستطيع أن يفعل شيئا ". " ولكن لنفرض أنه ركب رأسه وصمم على عودتي ؟". " لا يستطيع أن يعيدك وحدك ... وأذا أن يصطحبك هو نفسه ليعيدك فسوف تنهار الرحلة كلها... أنك معنا الآن وستبقين معنا". وأنتهى الكلام وبعد لحظات سمعا أصواتا من ناحية النهر , ثم ظهر شقيقها والطبيب خلف مجموعة من الصخور , كانا يشقان طريقهما في مياه النهر في محاولة لمقاومة التيار , وقد أرتفعت المياه ألى ركبتيهما , وكان الدكتور فرغسون يحمل شبكة فيها عدة أسماك كبيرة ". وكان الظلام قد حل في المنطقة ولم يستطع الرجلان رؤيتها ألى أن وصلا فعلا ألى الشاطىء , وفي نظرة يملأها الذهول توقف بيتر مندهشا , وهو يقول : " يا ألهي...... أندريا!". " مرحبا....... كيف حالك؟". ورغم سعادتها الظاهرة كانت ترتعد من أعماقها , ولم تجرؤ حتى على النظر ألى رفيقه. ووجه جوي حديثه ألى شقيقها بيتر قائلا : " لا تستمر في التقدم ألى هنا , أنك لا ترى طريقك , ظهرت أندريا في هذه المنطقة منذ نصف ساعة فقط". ومضى بيتر يحدق فيها وسألها : " ولكن كيف أنني لا أفهم شيئا , كيف وصلت ألى هنا يا أندريا؟". وردت قائلة : " كان الأمر بسيطا , لقد تتبعت خطواتكم ". وتطلعت أندريا ألى الدكتور فرغسون وقالت : " كما ترى يا دكتور , فالمرأة تستطيع أن تعيش في الأحراش , كنت في الواقع , حتى الآن أحس بمتعة كاملة وأنا في الطريق أليكم". منتديات ليلاس
ولم يجبها فرغسون , ولكن عينيه ظلتا للحظة تلمعان بمشاعر الغضب , وكان يبدو ضاربا عنيفا , ولو كانا بمفردهما , لأرتعدت منه. وأقترب جوي من أندريا قائلا : " حسنا...... أن ما فعلته أكثر مما أستطيع أن أقوله , وأحاطها بذراعيه ولم يكن في حاجة ألى هذه الحركة ليحميها بها , كان الدكتور فرغسون قد مضى يقول : " سأذهب أنظف أحشاء هذه الأسماك ". وراقبوه وهو يتجه ألى أطراف الغابة , حتى أنتزع بعض أوراق الشجر الكبيرة , ثم عاد ونشرها على الأرض , وأخرج السمك من الشبك , وأنتزع سكينه من حزامه , وتهيأ للقيام بمهمته , ولكنه قبل أن يفعل ذلك صاح : " هل يمكن أن تشعل المصباح يا رامزي , من فضلك!". وعندما نظر ألى جوي كان وجهه خاليا من أي تعبير مرة أخرى. وقال بيتر لشقيقته : " ولكنك يا آندي لا يمكن أن تكوني سلكت هذا الطريق كله وحدك". فأجابته بصراحة قائلة : " كلا بطبيعة الحال , كان معي مرشد , أنه لطيف من الملايو ويدعى صالح". " وكيف تعرفت عليه؟ وما هو ذلك الحافز القوي الذي دفعك للقيام بهذه المغامرة غير المأمونة ؟ ومن وراء ذلك كله؟". وجاءه الرد من الدكتور فرغسون , الذي قال وهو ما زال ينظف السمك : " أظن أن رامزي له يد في ذلك !". وفي هذه اللحظة , أتجه بيتر بسؤاله ألى الرجل الآخر , فقال له : "هل ساعدتها فعلا يا جوي؟". ووضع جوي المصباح على صخرة , وألتفت أليها قائلا : " ساعدتها في الواقع...... لقد خططت للعملية كلها .... هل هناك أعتراض ؟". وضغط بيتر على أسنانه في غيظ , وأطبق يديه حتى أصبحتا قبضتين مشدودتين , ثم قال : " أيها الغبي , أنني أستطيع أن أدق عنقك ". وعندما هم بتنفيذ تهديده , نهض الطبيب محاولا التدخل , فقال : " أن ذلك لن يفيد شيئا , هيا نعد عشاءنا ". ولم تكن الوجبة ممتعة , صحيح كان السمك لذيذ الطعم , ولكنهم تناولوه في صمت يشوبه التوتر . وقدم الدكتور فرغسون كوبا من القهوة ألى أندريا , وهو يسألها : " هل أحضرت معك شيئا لكي تنامي عليه ؟". وأجابت بهدوء : " معي المعدات نفسها التي مع كل واحد منكم والأمدادات أيضا". " هل أصبت بأية خدوش وأنت في الطريق ألى هنا؟". " كلا , على الأطلاق". كان الطوق الجلدي المتسلخ حول وسطها قد بدأ يلتهب , وكانت تأمل في أن تتاح لها الفرصة لتنثر البودرة فوقه قبل موعد النوم , وعلمت أن موعد النوم يحين فورا عقب العشاء حتى يوفروا غاز المصباح , ولم يكن هذا المصباح ضروريا عندما يهل القمر وتتلألأ النجوم , ولو أنهم كانوا يقيمون مخيماتهم في الأحراش , لكان يتعين عليهم أن يتدثروا في أكياس النوم التي تشبه الأرجوحة حتى يتجنبوا جحافل النمل ألا أنه مع ضوء القمر الساطع , فأن سطح الصخر الأملس يوفر لهم أسرة خالية من الحشرات. ونظرا لأن أندريا كانت مرهقة جدا طوال النهار فقد راحت في نوم عميق ,وأستيقظت مبكرة جدا في الصباح عندما بزغ نور الفجر , وكان بيتر وجوي ما زالا نائمين , ولكن حقيبة فرغسون الكاكية كانت خاوية , وكان هذا يعني أنه أستيقظ وترك منامته وعندما خرجت أندريا من كيسها أحست أنها تتحرك بصعوبة , وأنها تشعر بالجوع أيضا , وتحاملت على نفسها , وقامت فأغتسلت ومشطت شعرها , بعد ذلك أشعلت موقد الغاز لأعداد بعض القهوة , وعندما كانت تنتظر غليان الماء , وقعت عيناها على جيمس فرغسون وقالت له في أعياء عندما وصل : " صباح الخير ". " صباح الخير ". وكان واضحا أنه حلق ذقنه , وأرتدى ملابس رحلة النهار , وأدركت أندريا أن عينيه تراقبانها , وعندما فرغت من أعداد القهوة ملأت كوبين , وقدمت له أحدهما , وأحتفظت لنفسها بالكوب الثاني , ولم تترك مجالا لحديث بينهما , وأنما قالت له بسرعة : " أعتقد أنه من الأفضل أن أوقظ الآخرين , أليس كذلك؟". فقال الدكتور فرغسون بنبرته الحيادية : "" كلا , أتركيهما بعض الوقت , أريد قبل أي شيء أن أفحص هذه العلامة التي تبدو على ذراعك اليسرى ". " أية علامة؟ تقصد هذا الخدش, أعتقد أنه غير هام على الأطلاق". " ربما , ولكن الخدوش في بعض الأحيان تكون خطيرة". سكت قليلا ثم قال : " تعالي ألى هنا ودعيني أفحص هذا الخدش". وأومأت أندريا برأسها علامة الموافقة , وأقتربت منه بينما كان يقول : " أنها لا تبدو خطيرة , لكن يجب أن نتخذ جانب السلامة , وأنحنى يفتح حقيبته ويخرج منها أنبوبة مرهم ثم قال : " ضعي قليلا من هذا المرهم عليها". ومرة أخرى أطاعته , وفعلت ما أمرها به دون مناقشة. ولكنه لم يلبث أن أستطرد قائلا: "حسنا , والآن أرفعي قميصك". وأصابتها هذه العبارة بالدهشة المفاجئة , فتراجعت ألى الوراء قليلا وقالت : " ولكن .......لماذا ؟". أجاب فرغسون : " أريد أن أعرف أذا كان جلدك قد تسلخ بفعل الحرارة أم لا؟". " كلا..... لم يحدث ذلك". منتديات ليلاس
" أرجوك... لا داعي للمناقشة في هذا الأمر , وأرفعي قميصك فورا!". وردت في أحتجاج : " ولكنني قلت لك ". وقاطعها قائلا : " أريد أن أتأكد , قد لا تتبينين أنت ذلك لكن أهمال هذه التسلخات يمكن أن يحدث تلوثا , لقد عالجت من قبل شقيقك ورامزي , أنني طبيب كما تعرفين". وردت قائلة : " ولكنك لست طبيبي ..... وعندما أحتاج لرعايتك الطبية فسأطلب منك ذلك يا دكتور". وأستدارت لتبتعد عنه , ولكنه أمسك بمعصمها بقوة وأوقفها , وقال : " ما دمت أخترت أن تأتي معنا فيجب أن تفعلي ما يقال لك , وأذا لم تفعلي ذلك فأنني أستطيع بسهولة حملك على فعله". وللحظة من الوقت أجتاحتها الرغبة في التحدي , ولكنهالم تلبث أن رضخت وهي تدفن ثورتها في أعماقها , وأمتدت يدها ألى قميصها فأخرجته ورفعته قليلا. وعند رؤيته الجزء الأوسط الملتهب ألتقط نفسا عميقا تعبيرا عن ضيقه , ولكنه لم يترك لنفسه العنان لكي يلومها كما توقعت وسألها : " كيف حدث هذا؟". وردت في غيظ : " لا أعرف...... وأعتقد أن حزام الوسط أنكمش بعض الشيء.... وهو الذي تسبب في ذلك". " حسنا , يتعين عليك أن تفكيه قليلا , لا تتحركي أرجوك ". ثم قام بأصابع ماهرة مدربة بدهان الجزء المتسلخ من وسطها بمرهم , ووضع ضمادة فوق هذه المنطقة , وبعد ذلك سألها : " هل تشعرين بأي شيء آخر يضايقك؟". وهزت أندريا رأسها وكانت وجنتاها متقدتين بالحمرة , وفي هذه المرة صدّق الدكتور فرغسون ما قالته , ولكنه لم يكن قد أنهى حديثه معها , فأستطرد يقول: " أنا لا أعرف لماذا كذبت عليّ يا آنسة فليمنغ , ويجب أن تفهمي أن الغابة ليست مكانا للخجل والمداراة , وعلى ذلك فأذا حدث أن أصبت بجراح مهما كانت درجتها , فيجب أن تبلغي بذلك فورا , هل تفهمين ؟ فورا!". وأجابت في جفاء : " حسنا , ما دمت تصر على ذلك". " بالتأكيد أصر على ذلك , في طقس مثل هذا الطقس ليست هناك أصابة تافهة , والآن أذهبي وأحضري قهوتك , فلدينا بعض أمور أخرى نريد مناقشتها". وأحضرت كوب قهوتها وجلست في المكان الذي أشار أليه , وكان الآخران ما زالا نائمين على مسافة عشرين ياردة من مجلسهما , وسألها في هدوء : " هل تعرف أسرة باكستر أين مكانك الآن؟". " طبعا...... تركت رسالة ". " نعم , أنك بهذه الرسالة تبلغيهم ألى أين أنت ذاهبة ولكن كيف يعرفون أنك وصلت ألى هنا بالفعل ؟ ألا تهتمين بأثارة قلق الناس ؟ ألا تهمك مشاعرهم ؟". وأجاب في جفاء : " الأمر يتوقف على من يكونون هؤلاء الناس ؟ وفيما يتعلق بأسرة باكستر فأنني لا أعرفهم جيدا ". ثم صمتت برهة وأردفت قائلة : " ولا أعتقد أنك بالتأكيد في موقف يسمح لك بأن تعطيني محاضرة عن مراعاة مشاعر الآخرين يا دكتور فرغسون , ومن الواضح أنك لا تعبأ بمشاعر أحد ". وأجاب بنبرة جافة : " أنت تقصدين مشاعرك حسب ما أظن , ما الذي تريدين مني أن أفعله يا آنسة فليمنغ ؟ أن أتبع طريقة التقرب أليك مثل رامزي؟ أو أن أقوم بتقديم تنازلات لا حدود لها ؟". وشعرت بالدم يندفع ألى وجنتيها ولكنها نظرت أليه وقالت في صوت حاد : " أنك لم تقدم أية تنازلات حتى الآن ". وفرغ فرغسون من تناول القهوة , ووضع كوبه على الأرض , ونظر ألى ساعته , ونهض واقفا , ثم قال : " هل تعتقدين أنني لم أفعل ذلك يا آنسة فليمنغ ؟". قالها في لهجة تهكمية واضحة , وأستطرد قائلا : " لو أنك عرفتني أكثر اتبينتي أنني حتى الآن أعاملك بمنتهى اللطف , ألا أنك من الآن فصاعدا سوف تحصلين على ما تريدين , ولا أعتقد أنك ستحبينه ". ثم تركها وحدها تستوعب هذه العبارات الغامضة المحذرة وأتجه ليوقظ الآخرين . منتديات ليلاس
وفي حوالي الساعة الثانية بعد الظهر – وكان قد مضى نحو ساعة منذ أن تخلفت أندريا لتستريح بعض الوقت , وجدت نفسها غارقة في مستنقع , وكان الدكتور فرغسون قبل أن يخرجوا صباح ذلك اليوم قد جعلها تتخلى عن حقيبتها , وأختار وهو يتجاهل تماما أحتجاجاتها – معظم محتويات الحقيبة الثقيلة , وأعطى بعضها لشقيقها والبعض الآخر لجوي , وأضاف ما تبقى لحقيبته هو , ولم يكن الدكتور فرغسون يريد تخفيف أحمالها كنوع من الفروسية وأنما كان غرضه الواضح هو أن يجعلها تحس أنها رحالة تشكل عبئا على الآخرين , ونظرا لأن جوي كان قد شكا بالفعل من ثقل المعدات التي كان يحملها , شعرت أندريا بما قصد الدكتور فرغسون أن تحس به , ومع ذلك وبعدما غاصوا بعض الوقت في المياه الطينية اللزجة شعرت أندريا بالسعادة لأن حقيبتها لم تكن مليئة. وبينما كان جوي ينوء بما يحمله من أثقال متخلفا عنها بضعة أقدام , وبينما كان الطبيب وبيتر يتقدمانها .... تساءلت أندريا في نفسها أذا كان من الضروري عليهم أن يجتازوا هذا الطريق بالذات , أو أن جيمس فرغسون أختار طريقا آخر لرحلة اليوم كي يعاقبها بسبب تجرؤها على تحديه , وكانت أندريا تحدث نفسها وهي تناضل لكي تتقدم في المستنقع. " ليس بهذه البساطة تستطيع أن تحملني على الركوع أمامك يا دكتور فرغسون ". وكان هذا المستنقع يبدو بلا نهاية , تحفه من الجانبين الأشجار الأستوائية الضخمة وتزينه الطحالب المتدلية. ولكنهم بعد رحلة طويلة , أستطاعوا أن يصلوا في النهاية ألى أرض صلبة مرة أخرى , وهنا أوقفهم الطبيب وطلب منهم أن يستريحوا عشر دقائق , وأنزلت أندريا حقيبتها وأستدارت ألى جوي لمساعدته على أنزال حمله الثقيل , فقال بلهجة تدل التعب : " أشكرك يا عزيزتي ". كان طين المستنقع لا يزال يغطي ساقيه وأثر المستنقع لا يزال عالقا بهما . وتمتمت في أشمئزاز : " أوه , هذه الرائحة , أليست كريهة؟". وقال جوي موافقا : " نعم , أنها أسوأ من رائحة البيض الفاسد". وأردف قائلا وهو ينظر ألى سروالها المبتل : " ما كان ينبغي أن تكوني هنا , أن فرغسون على حق , هذا المكان لا يليق بفتاة ". ولكن أندريا أستخفت بكلامه وقالت : " هذا الطين لن يلبث أن يزول أنني لا أهتم به ". ولكنه لم يلبث أن نظر أليها نظرة تتسم بالرعب ,وهو يهتف قائلا : " يا ألهي , أنظري ذراعك , توجد عليه حشرة طفيلية ". ونظرت أندريا ألى ذلك الشيء الذي يعلو ذراعها , وأنتابها شعور بالغثيان , كانت تحس دائما بأشمئزاز من الحيوانات الرخوية , وكانت الحشرة من النوع الرخوي الأسود , ثم أستدعى جوي الطبيب الذي طلب أليها أن تكبح جماح أنفعالها , وحاولت أن تمسك الحشرة وتبعدها عن ذراعها ولكن جيمس فرغسون قال بحدة : " لا تفعلي هذا ". ثم ألتفتت ألى جوي وقال : " أشعل سيكارة يا رامزي". وعندما أشعلها أخذها الدكتور فرغسون ولمس الحشرة بالظرف المشتعل , فسقطت في الحال تاركة وراءها خطا من الدم , وقال الدكتور مفسرا : " أذا حاولت شد الحشرة فأنها تترك رؤوسها في جلدك ". وعندما كان الطبيب ينظف مكان الحشرة بمطهر خاص ويضع عليه مسحوق البنسلين , وجد جوي وبيتر أن حشرة مماثلة ألتصقت بأجسامهما , وقال فرغسون وهو ينظر ألى أندريا : " قد تزحف عليكم حشرات أخرى الليلة عند النوم ". وشعرت أندريا بالخوف ولكنها تظاهرت بالهدوء". وبعد أن قطعوا مسافة ميل وصلوا ألى مكان مجاور فسيح حيث أزيلت جميع الأشجارفوق مساحة تبلغ حوالي فدانين , وأحرقت كل النباتات الموجودة في هذه المنطقة وهي منطقة زراعية جديدة , قال الدكتور فرغسون أنه في مكان مجاور لها سوف يعثرون على قبيلة تميار. وأفراد قبيلة تميار هم من الأهالي الأصليين يختلفون تماما عن سكان الملايو , ويرتدي الرجال الملابس التي تغطي عوراتهم فقط , وتلف النساء قطعة قماش من نسيج القطن حول الجزء الأسفل من أجسادهن , كما أن بعض الفتيات الصغيرات يطلين وجوههن برسوم ويضعن باقات من الأزهار في الثقوب الكبيرة في شحمة آذانهن . وبعد فترة من التحفظ , أصبح أهالي تميار أصدقاء لهم , وأظهروا لهم أعجابهم بشعر أندريا الأشقر , وأصروا على أن يشاركهم زوارهم وجبة غداء في دارهم , وبعد ذلك أشترك رئيس القبيلة والدكتور فرغسون في نقاش , وظل الرجل السمين يشير ألى أندريا , وتساءل بيتر ماذا يقصد بذلك . وأوضح الطبيب : " أنه يعرض علينا سريره الخاص لأستخدامه هذه الليلة , وهذا تقليد عندهم , وأذا رفضنا سيغضب منا". وقال جوي في حنق : " أرجو أن تستبعدني , أنني أفضل مكانا في الهواء الطلق". ونظرا لأن القبيلة كلها كانت تعيش وتعد طعامها في هذه الدار الكبيرة – كانت السقوف مسودة بالسخام , وكان الجو مليئا بالدخان , وقال جيمس فرغسون بدون أي تعبير في صوته : " قصدت بكلمة علينا , أنا والآنسة فليمنغ !". منتديات ليلاس
وحدق الجميع فيه بدهشة , بينما أستطرد قائلا : "رئيس القبيلة البنغولو لديه أنطباع أن الآنسة هي زوجتي ". وشعرت أندريا أن في هذا التصرف من جانب فرغسون بعض الخبث والخداع . وقال بيتر في أيجاز : " حسنا , أبلغه أنه مخطىء ". " قلت له هذا فعلا , ولكنه غير مقتنع وهو يعتقد أننا لا نريد أن نسلبه راحته". وربت البنغولو على ذراع أندريا وأومأ لها وكان واضحا أنه يحثها على أن تقنع زوجها بأن يقبل عرضه بأستخدام سريره. وهزت أندريا رأسها , ثم راودتها فكرة أذ أشارت ألى البنغولو دون أن تتمكن من الحديث أليه – معبرة عن أنها تنتمي ألى بيتر وليس ألى فرغسون . وللحظة كان يبدو على رئيس القبيلة أنه لا يصدقها , وفجأة عندما تبين الخطأ الذي وقع فيه , أنفجر ضاحكا , وعرف جميع من في الدار بهذه القصة التي أثارت البهجة في نفوسهم , وحتى أندريا كانت ترسم على شفتيها أبتسامة , ألا أن قلبها كان يدق بشدة لأن ما وقع كان أمرا محرجا. وفي النهاية شاركت أندريا شقيقها سرير البنغولو , وكان جوي والطبيب يرقدان في مأوى خارج الدار , وظلت أندريا تحدث نفسها , ما الذي كان يمكن أن يحدث لو لم تتمكن بنفسها من حل هذ الموقف. وفي الصباح التالي , قبل أن تستأنف المجموعة رحلتها – أقام الدكتور فرغسون عيادة طبية في الدار لأجراء كشف طبي سريع وعلاج الكثيرين من الشباب ورجال القرية , كان الكثير من الرجال يعانون من مرض جلدي في حين أن معظم النساء كن يعانين من السل , وكانت أندريا ترقب فرغسون وهو يعالج مرضاه بطريقة تختلف كثيرا عن الطريقة التي يعامل بها رفاقه من البيض. وبعد أن فرغ من معالجة أفراد قبيلة تيمار مضوا في طريقهم , وقال الدكتور فرغسون لأندريا : " كلفت أحد رجال القبيلة بحمل رسالة ألى أسرة باكستر تفيد أنك وصلت بسلام وأتوقع أن تصلهم الرسالة غدا في أي وقت , أن رجال القبائل يتنقلون أسرع منا". وقضوا الليلة التالية في مخيم آخر تابع أيضا لقبيلة تميار وهو مجاور لمياه النهر , وكان وصولهم هذه المرة مبكرا بعد الظهر حتى يكون هناك فسحة من الوقت لكي يمارسوا رياضة السباحة والشمس ساطعة ". وتساءل جوي في أسترخاء بينما كان يجلس هو وأندريا على تل رملي وسط النهر : " أنني أعجب أبى أي حد نحن بعيدون عن المدنية والحضارة ". وردت أندريا قائلة : " ليس أبعد مما يستطيع الغراب أن يطير ". وأستدارت ألى الناحية الأخرى لتشاهد شقيقها يسبح في مياه النهر على الضفة الأخرى , أما الدكتور فرغسون فكان يتحدث ألى شيخ القبيلة , وفي هذه الأثناء حاول جوي أن يتقرب أكثر ألى أندريا ولكنها ردته عن نفسها , وكانت في قرارتها تتمنى لو أن بيتر خرج من المياه ليلحق بهما . ودار بين الأثنين حوار حول العلاقات بين الجنسين , وأوضح لها جوي أن الفتيات نوعان : الأول هو الفتاة التي تمارس حياتها في بساطة ولهو مع الآخرين بدون أن يلحق بها ضرر والنوع الثاني هو الفتاة الجادة التي تتطلع ألى فارس أحلامها الذي يتزوجها ....... وكان جوي أثناء حديثهما يحاول ملاطفتها , ومراودتها ثم أقترحت أندريا أن يتركا المكان , ويلحقا بالآخرين في الماء , وعندما همت واقفة فوجئت بمشهد لم تكن تتوقعه أبدا أصابها بالخجل والحيرة , كان الدكتور فرغسون واقفا على مكان مرتفع مرتديا ملابس السباحة , وبعد لحظة قفز مرة أخرى ألى الماء , ولكنها كانت متأكدة أنه يراقبها هي وجوي. منتديات ليلاس
وأحست أندريا أنها أرتكبت خطأ فاحشا لأنها سمحت لجوي أن يتمادى في ملاطفتها في هذه الظروف في الذات , أن ما رآه فرغسون يعتبر بلا شك نقطة ضعف في كل خطتها , أن المرأة هي المرأة ولو كانت في الأدغال , لا تستطيع أن تقاوم عبارات الأعجاب التي تصدر عمن حولها من الرجال . ولكن فرغسون لا يكاد يلتفت أليها , أن مشاعره فاترة نحوها , ومرة أخرى فكرت أندريا بمنطق الأنثى , صحيح أن المشهد الذي رآه فرغسون بينها وبين جوي لم يكن مناسبا ألا أنه رغم ذلك يمكن أن يكون مؤثرا في مشاعر فرغسون كرجل , هل يمكن أن يشعر هذا الرجل بالغيرة نحوها بعد أن شاهدها مع جوي ؟ ربما , ولكن هذا الحديث العابر أختبارا لمدى تطور أهتمامه بها , وربما تستطيع أيضا خلال هذه الرحلة أن تجعله ينسى تلك الفتاة التي تقبع في دارها مستسلمة لأوامر الرجال .... الآنسة باكستر. وفي تلك الليلة كانت الدار تستعد لحفل راقص وكانت نساء القبيلة ترتدين أفضل ما لديهن من أزياء والأطفال يساعدون في طلاء وجوههم كما جرت العادة وكان جو الدار مفعما برائحة لحم الشواء , وبدا كل فرد سعيد , وأتجهت أندريا ألى مكان ناء لتستبدل ملابسها بالزي الوطني وتتزين وأثناء ذلك سمعت صوتا يهمس : " آنسة فليمنغ ". وخرجت أندريا مسرعة من مكانها وهي ترتدي هذا الزي القبلي , كان الدكتور فرغسون صاحب الصوت الحاد العميق وبادرته قائلة : " أرجو أن يكون مناسبا أن أرتدي هذا الزي..... أعتقد أنه سيكون مريحا ......". " أظن ذلك.... هل ثبته جيدا عليك؟". " نعم .....". ثم رفعت طرف قميصها لتريه كيف ثبتت الثوب حول خصرها فقال : " حسنا , ولكنني سوف أطلب فيما بعد من أحد النساء أن تعلمك كيف يمكن تثبيت هذا الزي بطريقة محكمة , لقد جئت لأحضر لك هذا الغطاء للرأس , لأنهم لم يصنعوا لك غطاء خاصا". كان الدكتور فرغسون يمسك في يده عقدا من الزهور الجميلة..... النادرة , ثمنها في لندن لا يقل عن ثلاثة جنيهات للزهرة الواحدة. " أشكرك يا دكتور فرغسون , أنه عقد جميل حقا , هل صنعته بنفسك؟". " نعم , أن ساق هذا النوع من الزهور قوية ومن السهل ربطها بعضها مع بعض". وأمسكت أندريا العقد الزهري , وكان جميلا جذابا كأنه أكليل لزفاف عروس , وعندئذ تساءلت : " دكتور فرغسون , هل يمكن أن نكون أصدقاء". وكانت كلماتها ورجاؤها أليه تلقائيا , لم تفكر من قبل فيما قالته , بل خرجت الكلمات من بين شفتيها في بساطة دون أنتقاء . " هل تشعرين أننا كنا أعداء يا آنسة فليمنغ ". وكالعادة كانت تعبيرات وجهه غير واضحة , ألا أنه بدا وكأن نبرات صوته تغيرت ألى حد ما . وواصلت هي الحديث , فقالت : " لم نكن أعداء بهذا المعنى .. ولكن علاقتنا لم تكن على ما يرام ...... ولكن علاقتنا لم تكن على ما يرام..... أنا أعرف أنني لم أنل رضاك في أي وقت من الأوقات ". وسألها دكتور فرغسون : " هل أستيائي يقلقك ؟". " حسنا ..... أنه أمر غير مريح ألا يكون الأنسان على وئام مع الآخرين.....". كانت أندريا تحاول أن تنهي ما بينهما من عداوة , وكانت تتمنى لو أنه حاول هو الآخر . وبعد لحظة قال فرغسون : " حسنا , يا آنسة فليمنغ , سوف نعقد هدنة بيننا ". ورغم أنه مد يده أليها مصافحا , فأنه لم يبتسم . " أرجو أثناء وجودي هنا أن ألقي نظرة على وسطك , كان ينبغي علي أن أفحصه في الصباح". " أنه أحسن حالا الآن , نزعت الضمادة في الواقع". ورفعت جزءا من قميصها ليرى التسلخات , وكان واضحا أن العلاج فعّال , ولم يكن هناك سوى أثار طفيفة للتسلخات . " أنك سعيدة الحظ ولا بد أن لديك مقاومة للتلوث". قالها وهو يفحص ظهرها أيضا ثم أعطاها قدحا زجاجيا فيه حبات بيضاء , وسألته : " ما هذا ؟". منتديات ليلاس
" أنها أقراص ملحية , وحتى أذا كنت لا تستخدمين الملح عادة , فأنك سوف تحتاجين أليه هنا , وسوف تجنبك هذه الأقراص التقلصات المعوية , وعليك أن تتناولي قرصا كل صباح". وأومأت أندريا برأسها علامة الموافقة وقالت : " حسنا , أشكرك مرة أخرى على الزهور التي قدمتها لي". وأستدار الدكتور فرغسون ليبتعد عن المكان , ولكنه توقف : " هناك شيء واحد آخر يا آنسة فليمنغ ". " أوه...... أرجو أن تناديني من الآن أندريا؟". " حسنا , أذا رغبت في ذك فأنا موافق ". وأثناء ذلك كانت تتردد من بعيد نغمات الناي معلنة بدء الحفل الراقص , ورغم أنها كانت ترغب في أرتداء عقد الزهور قبل أن تغيب الشمس حتى تستطيع أن ترى نفسها في المرآة , ألا أنها أنتظرت حتى بكمل جيمس فرغسون حديثه. " أردت أن أقول لك أنه توجد هنا قوانين قبلية لأهالي البلاد من المستحسن حتى للغرباء أن يلتزموا بها , أن أفراد هذه القبيلة يتمسكون بأخلاقياتهم ولديهم قواعد سلوكية جافة , وأي شخص ينتهك محرماتهم يعاقب بشدة , ذلك لا ينطيق علينا بطبيعة الحال , ولكنه رغم ذلك يتعين علينا ألا ننتهك هذه القوانين". وتوقف عن الحديث لفترة قصيرة , وكانت أندريا تعتقد أنه سيشرح لها بعض القواعد والسلوك التي يجب أن تراعيها في الحفل. ولكنه قال : "أن علاقتك مع رامزي مسألة شخصية تماما , ألا أنه من حسن الحظ أن أحدا من أفراد القبيلة لم يكن موجودا قرب النهر بعد ظهر اليوم , فمن الأمور المحرمة هنا ممارسة الغزل أثناء طلوع الشمس..... وعندما يحل الظلام تستطيعين أن تفعلي ما تشائين ". ثم أنصرف من مكانه تاركا أندريا تلاحقه بنظراتها وهي مضطربة كأنه قد صفعها على وجهها! معنى هذا أنه رأى جوي معها قرب النهر حسنا وقال أن هذا الأمر لا يخصه , ألا أن هذا التفكير لم يخفف من شعورها بالخزي. " وماذا يهم ذلك , ولماذا أعبأ بما يفكر فيه؟". ولكنها فجأة أحست أن الأمر يهمها فعلا.
نهاية الفصل الثالث |
| | | ???? زائر
| موضوع: رد: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:39 am | |
| الفصل الرابع- وهج الأدغال كانت رحلة اليوم التالي في زوارق صغيرة , وأوفد شيخ القبيلة معهم أربعة رجال لكي يصطبوهم في النهر ألى الطرف البعيد من الوادي , وكان الثمن بعض سنانير الصيد وبعض البالونات الملونة والمسامير. وكان من المعروف أن المسافة ألى الطرف الآخر من الوادي لا تستغرق ألا يومين أو أكثر قليلا أذا قطعوها على الأقدام , ولكن الرحلة عبر المياه تعتبر أسرع وأقل مشقة , , وأن كانت تنطوي على بعض المخاطر . ذلك أن شمس الظهيرة الشديدة الحرارة , رغم أنها لا تتوغل ألى أعماق الأحراش , لكن حرارتها كما تبينت ذلك أندريا في أول يوم لها تصل ألى درجة أشبه بدرجة الألتهاب على سطح المياه المكشوفة. وأستقل الزورق الأول بيتروجوي وكان جوييصور المشهد الذي حوله بينما كان بيتر يسجل وصفا له وتعليقا على الشريط , أما أندريا فرافقت الدكتور فرغسون في الزورق الثاني..... وهو أجراء ربما يكون أضاف توترا ذهنيا ألى التعب الجسماني الذي كانت تشعر به فعلا. ورغم وهج الشمس , فأن فرغسون لم يكن يرتدي قميصا ويبدو أن درجة الحرارة الشديدة لم تكن تؤثر فيه ,وقد أصبح لون بشرتهداكنا أكثر من بعض أفراد قبيلة تميار أنفسهم. وطوال الرحلة , ظل الأثنان صامتين حوالي ساعة كاملة ,وأخيرا قطعت أندريا هذا الصمت وسألت : " متى نصل ألى الوادي حيث توجد الكهوف ؟". وقال وهو يهز كتفيه بلا أكتراث : " خلال يومين .... ألا أنني لا أعتقد أنه ستكون هناك كهوف , وما يحدث هنا هو مجرد وقت ضائع ومجهود بلا فائدة !". وأضافت أندريا وهي تتابع بنظرها أصابعه الطويلة النحيلة بينما راح يقطع كتلة من الخشب بسكين تلمع في ضوء الشمس. " لدي أنطباع يا دكتور فرغسون أنك لا توافق على هذه الرحلة فعلا......". فنظر أليها قائلا : " كنت أظن أننا تخلصنا من الرسميات ". وتظاهرت أندريا بأنها تحدق في أشياء أخرى على ضفة النهر , أنه لشيء سخيف حقا , ولكنها لم تكن على يقين بأنها تستطيع أن تناديه بأسمه الأول فقط , كانت لا تزال تشعر أن الحواجز قائمة بينها وبينه , وأن كانت لا تدري مبررا لهذا الأحساس. وأستطرد فرغسون قائلا: "كلا.... أنت على حق... أنني لست موافقا على مثل هذه الرحلة , ويستوي عندي في الحالتين أن تكون هناك كهوف أو لا تكون , فليست هذه هي الثضية بالنسبة ألي , وأنما أعتقادي الذي لا يتغير هو أنه من الأفضل ترك الأهالي الأصليين دون أزعاجهم , ففيما عدا المعونة الطبية ليس لدى المدينة شيء ذو قيمة يمكن أن نقدمه لهم , وفي الحقيقة فأنهم عندما يضطرون ألى الأتصال بالعالم الخارجي – كما يحدث من خلال الرحلات السياحية المتزايدة – يتعرضون لأضرار كبيرة , أنه الشيء نفسه بالنسبة ألى كل الناس البدائيين فبمجرد وصول الشعوب الغربية تتفسخ الأخلاقيات عندهم ويفتقدون البراءة والأصالة ". منتديات ليلاس
" أذا كان هذا شعورك..... فلماذا وافقت على أن تقوم بدور المرشد لرحلتنا هذه؟". " شقيقك يدفع لي أجرا عن هذا الدور والواقع أنني أحتاج ألى هذه النقود وألى المزيد منها , ذلك أن الأموال التي أخصصها للأبحاث ليست كافية لتغطي نفقات العلاج التي يحتاجها هؤلا الناس". " فهمت....زز ولكن حول أي موضوع تدور أبحاثك ؟". " أريد أن أستكشف أذا كانت الأدوي العديدة التي يستخدمها أهالي البلاد لها أستخدامات أوسع فمعظم الأشخاص العاديين لا يدركون أم كثيرا مما يسمى بالعقاقير الحديثة , أستخدمها في بادىء الأمر أطباء القبيلة الذين يطلق عليهم أسم السحرة". " هل أنت تقصد مثلا مادة الكورار الأستوائية السامة؟". " نعم , رغم أن الغرض الأساسي من الكورار كان القتل وليس أنقاذ الحياة ". وعادت أندريا لتسأل من جديد وبأهتمام : " وهل تم فحص السموم التي يستخدمها أفراد قبيلة تميار في رماحهم ؟". " نعم , أنها تشبه مادة الكورار , وأنني أقوم في الوقت الحالي بأجراء أبحاثي على نبات يعرف بأسم بيتاي...... الأهالي الأصليون يستخدمونه كعلاج لمرضى السكري وكذلك يفعل الصينيون , وسكان الملايو , وربما يثبت أنها مادة ذات قيمة". وقبل أن تتوجه أندريا بأسئلة أخرى عن أهتمامها , سمعت أحد أفراد قبيلة تميار الواقفين خلفها يتمتم وكأنه يقول شيئا. وألتفت فرغسون خلفه وأومأ برأسه....... ويبدو أنه كان يتحدق لهجة أهالي البلاد الأصليين بطلاقة , فم يلبث أن أوضح لها ما يدور قائلا : " هناك بعض التيارات المائية العنيفة ستصادفنا". وأثار ذلك قلق أندريا , فعادت تسأل : " هل يعرف الآخرون ذلك ؟ ستكون كارثة لو أنهم فقدوا محركهم !". " حذرتهم من هذه الأمواج قبل أن نبدأ الرحلة......". وكان الزورق الأول قد أختفى ع الأنظار تقريبا عند منحنى في النهر , وعندما أقترب زورقهم من هذه المنطقة , سمعت أندريا صوت هدير المياه الهائجة , وكان واضحا أن هذه الأمواج أكثر أرتفاعا وأشد عنفا من تلك التي صادفتها وهي تستقل زورق صالح الصغير. وبدأ النهر يموج بتياراته المتقطعة , وكان الزورق يتمايل ويترنح .....وقال لها فرغسون: " من الأفضل أن تتشبثي بي.......". وعندما أكتسحت الأمواج المركب عند المنحنى , وضع الطبيب ذراعيه حول وسطها وجذبها بقوة نحوه. ولو كانت أندريا قد رأت هذه الأمواج من مسافة بعيدة لأعتقدت أنه من المستحيل على أي مركب ناهيك عن زورق من خشب البامبو ينجو من هذا التيار المتلاطم السريع الذي يواجههم الآن ..... ولم يكن هناك وقت للخوف... فقد أصبح الزورق مثل قشة تقذف بها دوامات المياه من كل جانب وتعبث بها , ثم لم تلبث أن أنزلقت بسرعة على حافة التيارات المائية الهائجة وسط جو مضطرب عنيف تحيط بها الصخور من كل جانب وتتقاذفها الأمواج العالية. وعندما عبر الزورق هذه الأمواج العاتية , خرجوا جميعا مبللين تماما ولكن دون أن يمسهم أي أذى , ووجدت أندريا نفسها متعلقة بالدكتور فرغسون كما لو كانت قد غرقت فعلا..... لم تكن تشعر بالرعب أو الفزع , ولكنها بغريزة حب الحياة كانت تجد نفسها مدفوعة لأن تتعلق بأي شيء تجده أمامها , وفعلت بأن تعلقت بالدكتور فرغسون ولكن بعد أن زال الخطر أبتعدت عنه وهي مبللة , لاهثة.... وكان أول ما جرى على لسانها هو قولها : " آسفة , لقد أعتقدت أن الأمواج سوف تقذف بنا بعيدا ". وعدلت في جلستها , ثم أضافت قائلة : " كنت تحدثني عن أبحاثك ...". منتديات ليلاس
وحدق فيها فرغسون لفترة قصيرة ثم مال برأسه وقد أسند مرفقيه على ركبتيه وأخفى وجهه بين يديه , وبعد لحظة من الدهشة , تبينت أندريا أنه يهتز بضحكات صامتة , ثم أخذ يضحك بصوت عال . وأحتدت أندريا وهي تسأل في أنفعال : " هل ترى أن هناك ما يمكن أن يثير الضحك ؟". وبدأ فرغسون يضحك في صوت عال وأشترك معه في الضحك أفراد قبيلة تميار , وكانت أصداء قهقهاتهم تسمع في جنبات الغابة وبدا النهر كله وكأنه يدوي فرحا. وأعتدلت أندريا أكثر في جلستها , ولم تكن تفهم ما هو الشيء الذي أضحكهم , ولكنها كانت تشعر أنها قد تكون ألى حد ما السبب في هذا الضحك , وأنتظرت أندريا حتى يفرغوا جميعا من الضحك ويتماسكوا مرة أخرى. وعندما حدث ذلك أعتذر فرغسون لها , وقال لها أنها يجب ألا تهتم كثيرا بما يفعلون , فهم في الحقيقة أناس أجتماعيون بسطاء. ونظر أليها في تمعن وأستعاد جديته مرة أخرى وقال : " أخطأت في فهمك يا أندريا أليس كذلك ؟ أنني أخشى أن أكون أصدرت حكمي عليك على أساس المظهر , وهو خطأ كبير يرتكبه الأنسان". وألتفتت أليه أندريا متسائلة : " أنني لا أفهم ماذا تعني بالضبط!". " للأسف أنه ليس هناك في مظهرك ما يوحي بأنك أمرأة مهيبة بهذا القدر وبصراحة , أعتقدت أنك عندما تشاهدين هذه الأمواج العالية سوف تفقدين توازنك تماما , ويقينا , فأنني لا أعتقد أن هناك فتاة أخرى تقوى على مواجهة هذا الموقف وتعتبره مجرد مقاطعة تافهة لحديث هام عن أعمال البحث". وقالت بشيء من الأرتباك: " فهمت الآن......". وكانت هذه هي المرة الأولى التي يبتسم فيها فرغسون أليها فعلا , وكان لهذه الأبتسامة أثر كبير في نفسها. ومضى فرغسون قائلا : " من المستحسن الآن أن نلحق بالآخرين". وعلى مسافة قريبة كان الزورق الأول يرسو في ظلال الأشجار . وسألهم فرغسون : " هل المحرك على ما يرام؟". " نعم , لقد حذرنا الصبية من ذلك وقمنا بلفه في ملاءة ووضعناه في أسفل المركب , هل هناك أمواج أخرى ستصادفنا؟". ومضى فرغسون قائلا : " كلا ,ومن الآن سيكون الطريق سهلا". ونظر ألى بيتر فليمنغ قائلا : " هل أنت بخير ؟ هل توجد معك أقراص لحالة سوء الهضم؟". ورد بيتر في لهجةمرهقة: " أشعر ببعض المغص , لا بد أنني أكلت كثيرا مساء أمس". " بالتأكيد نعم , وسأحضر لك بعض الأقراص , هل أنت بخير يا أندريا ؟". " أنا على ما يرام الآن , ولكنني شعرت قبل ذلك بألم". وقال جوي : " أن ما أحتاجه الآن هو الماء , هل هناك ضرر من أن أشرب من مياه النهر؟". وطلب فرغسون من أفراد قبيلة تميار أن يحضروا مياها نقية كانوا يحتفظون بها. وعندئذ تساءل جوي : " ما الذي كان يحتويه الطعام الذي قدموه ألينا في الحفلة الماضية؟". وأنبرى فرغسون متسائلا : " هل أعجبك الطعام؟". وقال جيمس فرغسون : " أنها في الحقيقة لحوم قردة !". وأصابت هذه العبارة جوي بالذعر فقال : " لا بد أنك تمزح يا دكتور فرغسون!". " كلا..... أن معظم أهالي البلاد يأكلون لحوم القردة ". فأنبرى جوي قائلا : " كان من الأفضل أذن أن تحذرني !". وردت أندريا قائلة : " ولكنك قلت أنها أعجبتك ". ودهشت أندريا عندما نظر أليها جوي نظرة ملؤها الغيظ . وتراجعت قائلة : " آسفة!". وبعد حوالي نصف ساعة , أستأنفوا رحلتهم , كانت السماء في ذلك الوقت ملبدة وبعد نصف ساعة عندما أستأنفوا التقدم عتمت السماء , وبدت الغيوم كثيفة , وبعد لحظات بدأ أنهمار المطر وخلال دقائق كانت السيول تغمرهم تماما , ولمدة ساعة كاملة وكانت هذه هي المرة الثانية التي تشعر فيها أندريا بالزهو , ونسيت كل مشاعر الرعب التي أنتابها عندما كانت تيارات المياه العاتية تتقاذف زورقها وكادت تغرقها , ولم تذكر غير شيء واحد , هو أنها أستطاعت أن تنتزع من فرغسون أعترافا صريحا بأنها ليست مجرد فتاة جميلة , أنها تستطيع أذا أرادت أن تواجه أي تجربة صعبة دون أن تفقد توازنها , بل أعترف أيضا أنه ليست هناك فتاة أخرى تستطيع مواجهة مثل هذا الموقف. منتديات ليلاس
وأكتفت أندريا بهذا الأحساس بالنصر , دون أن تحاول أبدا أن تجادله فيما ذكره عنها قبل, أنها لا تريد أن تتفاخر بقدرتها على التحمل , ولا تريد أن تسبب له حرجا بين رفيقي الرحلة الآخرين , لقد كان كل ما تتمناه هو أن تصادفهم مواقف أخرى تكون محكا لمعرفة قدراتها المتعددة , وطوال هذا الوقت ظلت أندريا متدثرة في ملاءة , بينما كان أفراد التيمار يواجهون زورقهم عبر المياه , وفجأة توقف السيل ,وظهرت الشمس مرة أخرى , وفي مكان على ضفة النهر أستبدلت أندريا ملابسها المبتلة. وعندما عادت قالت لهم : " تحققت الآن من شيء أنني لم أشاهد حتى الآن ثعبانا في الغابة". وقال جيمس فرغسون : "لن تجدي شيئا منها الآن وأن كان هناك عدد كبير في المنطقة ولكنها تختفي , أنها تخافنا أكثر مما نخافنا , والواقع أن الابة ليست مكانا خطيرا أذا ما ألتزمت بعدد من القواعد البسيطة". فتساءلت أندريا : " أذن لماذا عارضت مجيئي معكم ؟". فأفتر ثغره عن أبتسامة صغيرة وهو يقول : " لأنني أخطأت في تقديرك كما أعترفت لك من قبل...... ولكن ليس معنى هذا أن الغابة ليست خطيرة وأنها خالية من كل المتاعب , وأن ما قصدته هو أن الناس لديهم أفكار خاطئة عن هذه الأخطار". " ولكن ما هي الأخطار الحقيقية؟". " حسنا ..... أستطيع أن أقول أن أكثر الأسباب شيوعا للموت في الأحراش هو أمراض الألتهاب الرئوي وتعفن الدم ...... أننا لا نزال نعلو قليلا فوق مستوى سطح البحر هنا ولكن البرد والرطوبة يمكن أن يؤديا ألى الأصابة بنوبة برد خطر". وردت أندريا وهي تفكر مليا : " نعم أعتقد هذا رغم أن الأصابة بالألتهاب الرئوي هي آخر ما يفكر فيه المرء في مثل هذا الطقس". وبعد لحظة بدأت أندريا تشعر بالنعاس , كان الوقت تجاوز منتصف الليل عندما غادرت مكان الأحتفالات , ولكن الأهالي ظلوا يرقصون حتى الساعة الثالثة صباحا , ولذلك لم تكن قد أخذت قسطا كافيا من النوم , وقررت أن ترقد وتأخذ أغفاءة , وتمددت على سطح المركب وأسندت رأسها ألى تلك الرزمة التي كانت معها , وعلى همهمة النهر وهزات القارب راحت في سبات عميق. وفي تلك الليلة تعين عليهم أن ينشروا حقائب النوم بين الأشجار كأرجوحة , وفي الصباح أستيقظت أندريا على صياح جماعات كبيرة من القردة في مكان ما فوق الأشجار. ومنذ الساعة السابعة صباحا وحتى الظهيرة ظلوا يناضلون عبر طريق على سطح تل شديد الأنحدار لم يستخدم منذ فترة وقد نما فيه نبات السرخس الطويل , ورغم أن الطريق كان صعبا لدرجة أنه أجبرهم على الراحة عشر دقائق كل نصف ساعة , فأن جهودهم المضنية أثبتت جدواعا عندما وصلوا ألى قمة التل , وجدوا أنفسهم الآن في واد أصغر تتاخمه سلسلة من التلال على شكل هلال ووجدوا هناك غابة ذات طبيعة مختلفة تماما عن تلك الغابة الرطبة , الممطرة المعتمة التي كانوا يعبرونها من قبل , وبينما كان للغابة السابقة مظهر كئيب أعطت الغابة الأخرى أنطباعا بأنها ذات طبيعة أستوائية خصبة . وأسعدهم جدا بعد أن تتبعوا أصوات مياه جارية أن يصلوا ألى منطقة واسعة خالية من الأشجار , فيها سلسلة من مساقط المياه تؤلف حلقة من سلسلة شلالات صغيرة تنتهي بمستجمعات مياه عديدة ضحلة. وقال جيمس وقد أرتمى الثلاثة الآخرون على جذع شجرة : " سنمضي بقية اليوم هنا , ولكنني لو كنت مكانكم لما جلست في هذا الموقع , فقد تكون هناك بعض العقارب حول المكان؟". وقال جوي وهو يتنهد : " يا للعذاب , ألا نستطيع أن نمضي دقيقة واحدة في سلام؟". وكان جوي يشعر بشيء من التوتر والتعب وأنه بدأ يحس بمشاعر غير ودية أتجاه فرغسون فأشعل سيكارة , وأتجه ألى أندريا متسائلا : " كيف تحملت البقاء مع هذا الرجل على زورق واحد طوال يوم أمس؟". وأجابت : " كان يحدثني عن أبحاثه .... أنها مثيرة للأهتمام ..". ورد جوي في نبرة غريبة : " آه ...... لقد فهمت !". وسألته أندريا وقد شعرت بشيء من الأرتباك : " وماذا فهمت؟". " تبينت أن العلاقات بينكما تتحسن وبخاصة عندما يناديك بأسم أندريا". " وهل لديك أعتراض على ذلك؟". " كلا....... ولكن لا يعجبني أن تتطور العلاقات بينكما ألى هذا الجو العائلي الدافىء". ونظرت أليه نظرة غاضبة , لأن فكرته كانت مضحكة تماما , وشعرت بأن جوي ربما يعاني من مشاعر الغيرة , وأنتابت أندريا الحيرة. كان يبدو لها دائما ومنذ أن عرفته شخصا مرحا جذابا لطيفا لا يأخذ أي شيء على محمل الجد, والآن ... أصبح فجأة يشعر بالغيرة. منتديات ليلاس
وألتفتت أندريا ألى جوي وقالت : " أصبحت سخيفا مضحكا يا جوي , ولا أعرف سببا لذلك". ورد جوي في أنفعال : " الأمر ببساطة هو أنني أحبك.... هذا هو كل ما في الأمر , ثم هذا بعض الشيء". وأستطرد قائلا : " يا ألهي ...... لا تدعينا نختلف أكثر من ذلك , أعتقد أننا لن نستطيع التحدث هنا , فقد يعود الآخرون بعد دقيقة , دعينا نتمشى سويا ونتحدث في هذه الأمور". وأعتذرت أندريا لأنها لم تكن ترتدي ملابسها كاملة , ثم وقفت وسط الماء الذي كاد يصل ألى ركبتيها وأردفت تقول وهي تحاول أنتقاء كلماتها : "أنني مرهقة يا جوي والواقع أنني أجد الرحلة أشق كثيرا مما أستطيع أحتماله". وألتفتت لتواجهه وقالت متوسلة : " أرجوك , أنني مرهقة جسميا ولا أستطيع أحتمال أحتمال المشاكل العاطفية في الوقت الحاضر , أنني مشوشة تماما". وعندئذ هدأت حدة صوته وقال : " مسكينة......". ثم طلب منها أن تبقى في مكانها. وقال : " أنا ذاهب لأحض آلة التصوير , وسألتقط لك مجموعة صور ملونة , وأنت ترتدين هذا السارنغ الجميل". وكانت أندريا تشعر بالأرتباك والحيرة. وبينما كان جوي يعد ألة التصوير , عاد الآخران وجلسا على الصخور وشاهداه وهو يوجهها ألى أوضاع معينة لألتقاط صور مختلفة. وقال جيمس فرغسون متسائلا: " لماذا تلتقطون هذه الصور؟". وقالت أندريا موضحة : " سوف تستخدم في أعداد موضوعات مصورة للمجلة , والآن وبعد أن أصبحنا مشهورين لدينا عرض من وكالة أعلان وهي تريد أستخدامنا في حملة دعائية لنوع جديد من مستحضر للبشرة , ألا أن بيتر رفض هذا العرض". وأضاف جوي قائلا: " ولا أحد يعلم لماذا رفض بيتر , أنك تستطيعين أن تجني ثروة معقولة من هذا العمل يا آندي , تصوري أعلانا يقول : المستكشفة النائية أندريا فليمنغ تستخدم دائما كريم الوجه( جو ) للأحتفاظ ببشرتها مشرقة ونضرة , حتى في جو الأدغال الصعب , يجعل كريم ( جو ) بشرتها ناعمة كالحرير !". وضحكت أندريا وقالت من الأفضل أن يكون الأعلان هكذا . " الآنسة فليمنغ أصيبت بقروح كثيرة , لدرجة أنها أستخدمت خمسين علبة من أنتاجنا من شريط البلاستر للقدم". وتساءل جيمس فرغسون في لهفة : " هل تشعرين بألم في قدميك؟". " كلا ... كنت أمزح.....". وطلب أليها فرغسون أن تقترب منه ليفحص قدمها , وأسرعت أليه مستجيبة , ثم ساءلت نفسها لماذا لم تغتاظ من طريقته الآمرة , ألأن الأمر يعد مجديا ؟ كلا..... أن الأمر ليس بهذه البساطة!! وفي هذه اللحظة عاد بيتر ومعه بعض الأزهار وقال جوي: " ضعي زهرة منها خلف أذنيك يا آندي". ولكن بينما كان بيتر يناول أخته تدخل فرغسون وقال : " أنتظر .... ربما توجد حشرات بداخلها ". وأخذ الزهور وهزها بقوة ثم أتجه ألى أندريا ووضع الزهور فوق أذنيها , وخطرت لأندريا فكرة ولكنها أستبعدتها بسرعة. وأثناء الليل أستيقظت أندريا وشقيقها بيتر من نومهما على صوت أجش صادر من مكان ما قريب منهما , ولم يشعر الآخران بذلك الصوت ألا أنه في صباح اليوم التالي قال فرغسون أن الصوت الذي سمعاه لا بد أن يكون لنمر كان في طريقه للشرب من مستجمع مياه صخري. وقال بيتر وهو يقطع شراءح لحم لأعداد طعام الأفطار لهم : " لقد أعتقدت أن النمور قد بدأت تنقرض هنا". وأتفق معه جيمس فرغسون في الرأي وأضاف قائلا : " فعلا..... ليست هناك نمور كثيرة في هذه المنطقة , كما أنه من غير المحتمل أن ترى نمرا أثناء النهار فعندما يسمع النمر صوت أقتراب أقدامنا لا يلبث أن يولي هاربا ". وسألت أندريا : " وماذا نفعل أذا صادفنا واحدا من هذه النمور ؟ هل نتسلق شجرة". " كلا , أفضل طريقة لمواجهة النمور , هي أن تقفي مكانك دون حراك , وأن تحاولي ترويعه لطرده , أن معظم النمور ليست بالوحشية التي تبدو بها , ألا أنها بالتأكيد سوف تطاردنا أذا ما جرينا , أنها غريزة شائعة بين الحيوانات من فصيلة القطط". " ولكن أخشى أن تدفعني غريزتي ألى الركض كالمجنونة ". وضحكت أندريا ولكنها عندما تطلعت ألى جيمس بقامته الطويلة وبنيانه القوي , أدركت أنها في الواقع لا تخشى شيئا طالما أنه معهم , وشعرت بالدم يندفع ألى وجنتيها ,وبسرعة حاولت أن تشغل نفسها بوضع رباط جديد في حذائها , وبعد فترة عندما أخذوا يستعدون للرحيل , أقترب منها جوي قائلا في همس : " أعتقد أنك لا تصدقين كل هذا الكلام عن النمور.....". " ولكنني أصدقه...... ولم لا ؟". " ما أسهل خداعك يا أندريا , أنه يريد بهذا الحديث أن يؤثر علينا". " هل تعتقد ذلك, أظن أن رأينا فيه لا يهمنا كثيرا". وأخرج جوي سيكارة من حقيبته وقال وهو يشعلها : " أذن , لقد تأثرت بما قاله وبدأت تعتقدين أنه من النوع القوي العنيف". وردت أندريا : " أليس هو من هذا النوع فعلا؟". وبدت السخرية في عيني جوي وقال : " أذن تعترفين بأنك غيّرت رأيك فيه". وسألته أندريا : " ما الذي تهدف أليه؟". منتديات ليلاس
وأتاها الرد في تهكم ظاهر : " ما الذي أهدف أليه ؟ في أي حال أنك لا تعرفين متى قد تحتاجين أليه لينقذك من أخطار الوحوش!". وبعد مضي ثلاثة أيام عندما بدا أن بحثهم أصبح عديم الجدوى , نزلوا على قبيلة صغيرة من الزنوج , وكان أفراد هذه القبيلة أقصر قامة من أفراد قبيلة تميار , وكانت ملامحهم زنجية واضحة , وكانوا في بادىء الأمر يخجلون من الأوروبيين , ألا أن مشاعر اللطف والمودة أتاحت مكانا للصداقة , وأصبح أفراد القبيلة مهتمين بمعدات التصوير الخاصة بجوي , وبالصندوق السحري الذي يسجل أصواتهم ألا أنهم ردوا بالنفي عندما سألهم جيمس عن المكان الذي تتواجد فيه الكهوف في هذه المنطقة , وجه جيمس حديثه للآخرين قائلا : " لا تقلقوا , هؤلاء الناس من البدو الرحل , وربما لم يحضروا ألى هنا من قبل". وأبدى جوي ملحوظة عندما قال : " يا لهم من أشخاص بائسين , أنهم ليسوا أفضل حالا من الحيوانات ". وأمسك بيتر غليونه بين أصابعه , وهو يقول : " ولكنني لا أرى ذلك , أنهم يشعرون بالسعادة الكافية". وأستطرد جوي معقبا : " لأنهم لا يعرفون ما يفتقدونه ". وأثارت هذه الملاحظات حوارا ساخنا بين الأثنين , تحول ألى خلاف أوسع في الرأي , وأنتهى بأن لجأ بيتر ألى حقيبة نومه , وأختفى جوي في الأحراش. أما جيمس فلم يشترك هو أو أندريا في هذا الحوار الساخن , حيث كان مشغولا بفحص أدواته الطبية , ولكنه لم يكن بعيدا عما يدور ولذلك فأنه لم يلبث أن ألتفت ألى أندريا موجهاحديثه أليها , قائلا: "لا تقلقي , فسوف يهدأ الأثنان في الصباح". " آمل , أنني لم أشاهدهما من قبل يتشاجران هكذا". " غالبا ما تتأجج المشاعر هنا في الغابة". " حقا؟..... ولكنك لا تبدو كذلك!". ونظرت أندريا ألى وجهه وكانت تتأمله , ترى ما هي المواقف التي تؤثر فيه , كانت تظن في بادىء الأمر أنه عديم المشاعر , ألا أنها الآن بعد أن شاهدته وهو يعامل أهالي البلاد الأصليين – أقتنعت بأن العاطفة لا تنقصه , كما أنه أيضا لا يفتقد روح المرح , كذلك تذكرت أندريا تلك الليلة في شرفة الأستراحة , عندما فشلت في أقناعه بقبول مرافقتها لهم في الرحلة , والآن , ورغم أنه لم تعد هناك روح عداوة بينهما , لكنها لا تستطيع أن تزعم أن العلاقات بينهما أصبحت على أفضل ما يرام , وأن كل التحفظات سقطت. وفي هذه الأثناء عبرت فراشة كالسهم وحطت على المصباح , ثم طارت بعد أن أحست بحرارته , وأختفت في شعر أندريا , وحاولت أن تنتزعها , ولكنها عجزت , وهرعت ألى جيمس وسألته وهي تميل برأسها أمامه: " هل تستطيع أخراجها من شعري.....من فضلك؟". وفي ثوان , كان جيمس قد ألتقط هذه الفراشة , وبفعت أندريا رأسها وفتح جيمس يده لترى شكل الفراشة , وسألته : " هل تعتقد أن هناك أضرارا يمكن أن تحدث من جراء ذلك؟". ولكنه لم يرد عليها , ورفعت عينيها نحوه فوجدته يتطلع أليها وليس ألى الفراشة التي في يده , وتلاقت عيناهما وب, ألا أن أندريا أحست فجأة بشعور غريب , وحتى لو لم يكن غير عادي ألا أنه أخل بتوازنها بصورة لم تحدث لها من قبل , وأثناء ذلك , حركت الفراشة جناحيها وطارت مرة أخرى ,وعندئذ أشاح جيمس بوجهه بعيدا , وأنتهى الأمر! ولكن كان عليه بعد ذلك أن يذكرها بالحقيقة , فقال لها : " حان وقت نومك". " فعلا". " حسنا ........ طاب مساؤك". ونهض جيمس واقفا ونظر أليها مرة أخرى , ألا أن نظرته هذه المرة كانت غير عادية! منتديات ليلاس
وأستدارت أندريا بسرعة , وأتجهت ألى مكان مبيتها , وعندما كانت تخلع ملابسها سمعت صرخات على بعد في الممر المظلم من الغابة , شعرت أن هذه الصرخات لمخلوق صغير وقع فريسة حيوان مفترس من تلك الأنواع التي لا يسمع لها دبيب. وسواء كان هذا الحادث وقك كما تصورته أو لم يقع , فلم يكن في الحقيقة هو السبب في أنها لم تذق النوم في تلك الليلة... ذلك أنها لم تشعر طوال حياتها بمثل هذه المشاعر التي أنتابتها بعد نظرة جيمس لها. أن مجرد التفكير فيما حدث يجعل ضربات قلبها تدق أسرع وأعنف وأذا كان جيمس يستطيع أن يفعل هذا فيها بنظرة واحدة فماذا يمكن أن يحدث لو... وعندما وصل تفكيرها ألى هذه الدرجة , سرت رعدة في كل جسمها , وقفز قلبها بين ضلوعها , ووجدت نفسها تتمتم في هلع وأخلاص : أنني أحبه". الشمس أشرقت على هذه الساحة الواسعة الخالية من الأشجار عندما أيقظ أندريا شخص يدق على كيس نومها , وكان هذا الشخص هو شقيقها بيتر , رفع عنها الناموسية , وكان يمسك بيده كوبا من القهوة , وقال وهو يضحك : " سبق أن أيقظتك منذ نصف ساعة مضت , ولكنك عدت للنوم مرة أخرى". وحجبت أندريا عينيها عن ضوء الشمس الساطع , وسألت : ط كم الساعة الآن ؟". " أنها الثامنة , من الأفضل أن تنهضي وتشربي كوب القهوة". ونهضت أندريا مسرعة وهي تقول : " أشكرك يا بيتر , أنني لن أتأخر كثيرا". " لا تتعجلي , أستغرقنا جميعا في النوم ,ثم أنني لم أحلق ذقني بعد". كان جيمس يعقد رباط حذائه عندما لحقت أندريا بالآخرين بعد عشر دقائق , وعندما ألقت عليه تحبة الصباح , رد بأيماءة من رأسه ثم أتجه ليقابل زعيم القبيلة الزنجية. وبعد ذلك بدأت جولتهم التي أستغرقت اليوم كله , وأستعانوا بأفراد القبيل في التنقيب في أجزاء الوادي ذي الشكل الهلالي ..... ورغم أنهم صادفوا كثيرا من نتوءات حجرية , ألا أنهم لم يعثروا على أية آثار للكهوف. ولم يحقق البحث في اليوم التالي أي نجاح وعاد بيتر وجوي ألى المخيم مرهقين للغاية بعد أن خاب رجاؤهما . وقد أنعكس ذلك على حالتيهما النفسية , فبعد أن تناولا الطعام أتجها مباشرة للنوم . وكانت أندريا قد أمضت طوال اليوم بنتء على تعليمات جيمس مع النساء الزنجيات والأطفال . وصألها جيمس عندما رحل الآخران : " هل يضايقك البقاء هنا بمفردك؟". وهزت أندريا رأسها بالنفي وهي تقول : " أنني أحب هؤلاء الناس وليس هناك ما يخيفني منهم". وفي الصباح التالي عندما أستيقظت أندريا من نومها , كان بيتر وجوي ما زالا نائمين , وكانت هناك ورقة معلقة على حقيبة نوم جيمس تقول أنه ذهب لكي يصطاد مع الزنوج , وأنه قد لا يعود قبل الظهر. وحتى الساعة الثانية بعد الظهر , كان فريق الصيد لا يزال في مكان ما من الأحراش. وسألتهما أندريا في قلق: " هل تعتقدان أن شيئا حدث لهم؟". ورد جوي في سخرية: "هل يمكن أن يحدث ذلك ومع فريق الصيد السوبرمان !". وتجاهلت أندريا هذا التعقيب من جوي وأتجهت بنظرها ألى شقيقها. وقال بيتر وهو يطمئنها : " لا أعتقد ذلك , فربما لم يتمكنوا من صيد أي شيء في الصباح , وكانت الساعة جاوزت الثالثة بعد الظهر , وكان الآخران يرقدان في حقيبتي نومهما عندما سمعت أندريا أصوات الصائدين وهم عائدون ألا أن شعورها بالأرتياح لم يدم كثيرا .... لأنه عندما ظهر جيمس في المنطقة الخالية من الأشجار , كان رداؤه ممزقا وملطخا بالدماء وكانت يداه وقدماه غير نظيفة. وفي تلقائية , هرعت أندريا أليه وهي منزعجة جدا , لتسأله : " جيمس , هل أصبت , كنت أشعر أن هناك شيئا على غير ما يرام.......". ونظر جيمس الى قميصه الممزق حيث ظهرت كتفيه البنية عارية قوية , وقال في هدوء : " أنه خدش بسيط ". " ولكن ما الذي حدث؟ ولماذا تأخت؟ كنا قلقين عليك". " هل كنتم قلقين فعلا؟". قالها وهو ينظر ألى الآخرين وهما يرقدان في الجانب الآخر من المنطقة. وأحمر وجه أندريا وقالت : " ربما لم نكن قلقين بهذا المعنى بالضبط , ولكنك قلت أنك سوف تعود في الثانية عشرة , هل أعد لك الطعام؟". " نعم , فسوف تتحسن حالتي بعد الأكل , ألا أنني أريد أولا أن أنظف نفسي". وعندما كان في المستجمع المائي , أيقظت أندريا الآخرين وبدأت في أعداد وجبة له , وبعد أن خرج جيمس قال : " وجدت الكهوف , أنها في شمال الوادي في منطقة أحراش كثيفة ولكننا قمنا بشق طريق جديد وسوف نتحرك غدا ألى هناك جميعا ". منتديات ليلاس
وقال بيتر مستغربا : " معنى هذا أن هناك كهوفا فعلا". وقد بدا جوي سعيدا بهذه الأنباء , وقال : " ماذا عن النقوش , هل وجدتها هناك أيضا !". " في بادىء الأمر لم أكن أتوقع ذلك , هناك ثلاثة كهوف , الأثنان الصغيران لا يتسمان بالأهمية , أما الكهف الرئيسي فهو واسع وبه مستعمرة من الخفافيش تعيش فيه , والجدران مغطاة بالروث لدرجة أنك لا تستطيع أن تعرف ما تحتها , سيكون علينا أن نشعل بعض الأضواء , ونزيل هذه المواد العالقة". وعندما دخلت أندريا الكهف الكبير الكئيب لأول مرة , كان سقفه مغطى تماما بمئات من الخفافيش , وكان جوه باردا بصورة غريبة بالمقارنة مع درجة الحرارة الشديدة في الغابة , وأحست أندريا برجفة تسري في عروقها , ولم تكن الخفافيش هي التي أخافتها لأنها كانت تعلم أن ما يقال عن أنها تلتصق بشعر الرأس هو مجرد أسطورة , ألا أن شيئا مخيفا كان ألى هذا المكان ولم تدهش عندما عرفت أن الزنوج الذين يؤمنون بالخرافات يرفضون الدخول في هذا الكهف. وكانت عملية أزالة الطبقة السميكة لنفايات الخفافيش الجافة بطيئة وعملا مزعجا , ألا أنها أصرت على أن تشارك فيه , وعندما بدأت الشمس تنحدر نحو المغيب , كانت ملابسهم قد أصبحت متسخة ألى تلك الدرجة التي كان جيمس عليها في اليوم السابق , وفي تلك الوقت جاءتهم المكافأة على جهودهم , ففي صرخة مفاجئة تتسم بالأثارة والأستغراب , دعاهم بيتر ألى مشاهدة الجزء الذي يعمل على تنظيفه . " أنظروا , هل تشاهدون هناك بعض النقوش تحت القشرة!". وهناك على سطح الصخرة العارية كان يوجد رسم لحيوان ذي ناب , وفي صباح اليوم التالي أكتشفوا مجموعة كاملة من النقوش , وبدأ جوي بتجهيز معدات التصوير أستعدادا لألتقاط صور لها , وأثناء أنشغال الآخرين في أزالة الطبقات التي تغطي النقوش , خرجت أندريا مسرعة ألى ضوء الشمس , فبالأضافة ألى الرائحة الكريهة التي كانت صادرة عن هذه النفايات الملتصقة بالجدران , كان ما زال هناك شيء في الكهف يحدث قشعريرة في جسمها , ولم تكن قد صرّحت بذلك لأحد , ولكنها أحست برغبة شديدة في الأبتعاد عن هذا المكان. وفي الحال خرج جيمس من الكهف ووجدها جالسة على الأرض مستندة بظهرها ألى صخرة وكانت عيناها مغلقتين. وسألها جيمس بحدة: " ماذا بك؟". ونهضت أندريا بسرعة قائلة : " كلا , لا شيء , خرجت الآن فقط لأستنشق بعض الهواء النقي". " ولكن وجهك يبدو شاحبا , أرني لسانك ". وأخرجت لسانها في طاعة كاملة له..... وهنا سألها: " هل تتعاطين أقراص الملح؟". وقبل أن تجيب رفع ذقنها , وأخذ يتحسس عنقها برفق بأطراف أصابعه , وكانت أندريا تحاول أن تبدو متماسكة ألا أنه عندما أقترب بأطراف أصابعه نحو حلقها , أحست أن لمساته تختلف عن لمسات الطبيب , وسألها جيمس : "هل تعانين من أمساك ؟". تراجعت ألى الخلف بسرعة وقالت : " كلا لا أعاني من ذلك ". وأصبح وجهها قرمزيا. " يا فتاتي العزيزة , لا تتصرفي كطفلة , أذا كنت تشعرين بأية متاعب في بطنك , فأرجو أن تخبريني بذلك فورا". وقالت مؤكدة: " لا أعاني من ذلك". وهز جيمس كتفيه وتركها وهو يقول : " في أي حال سوف أعطيك جرعة من دواء ما هذا المساء". ودخل الكهف وأعادتها نبرات صوته ألى تلك الفترة الحالمة في حياتها , عندما كانت لا تزال في السادسة عشرة تلك الفترة التي يصبح فيها نبض القلب قويا وعاليا. لقد أمضوا يومهم الأخير مع الزنوج في المخيم في الوادي وعندما أستيقظوا من نومهم أحست أندريا رغم أنها لم تقل لأحد ذلك أنها فاترة الهمة , وبعد أن تناولت وجبة الطعام أتجهت ألى مستجمع المياه لتستحم وتغسل شعرها , ثم لفت نفسها في رداء السارنغ وجلست على ضخرة تمشط شعرها . ففي مثل هذا الوقت غدا , يباشرون رحلة العودة ألى سونغي موسانغ , وخلال خمسة أو ستة أيام ستكون الرحلة قد أوشكت على الأنتهاء. منتديات ليلاس
وللوهلة الأولى ,كانت فكرة عودتها ألى حياة المدنية لا تشيع البهجة في نفسها , كانت تتطلع عادة بعد كل رحلة شاقة كهذه تستمر أسبوعا أو أسبوعين ألى الوقت الذي تعيش فيه في ظروف مريحة ألا أنها في هذه المرة كانت لا تهتم بفكرة النوم في سرير نظيف , أو أرتداء فستان أنيق أو تصفيف الشعر على أحدث طريقة , والحقيقة أن هذه الفكرة كانت تثير أكتئابها كلما راودتها , فعندما تنتهي الرحلة سوف تنقطع كل أتصالاتها مع جيمس , وربما لا تراه أبدا بعد ذلك , كما أنه لا يبدو من تطور الأمور أنه غير محتمل حدوث أي تغيير كبير في علاقاتهما خلال فترة تقل عن أسبوع. نظر أليها مرة أخرى بطريقة ربما تنم عن شيء وحتى هذه النظرة قد تكون من خداع البصر بسبب ضوء المصباح ,ولعل ما يثير السخرية هو أنها الآن بعد فوات الأوان أدركت أن الصفات التي كانت تكرهها فيه في بادىء الأمر – هي نفسها التي جعلتها تحبه. وسرحت أندريا بخواطرها قائلة لنفسها كان ينبغي علي أن أكون أكثر رقة ولطفا معه , ولم يكن ينبغي أبدا أن أجادله بعنف , أو أن أتخذ منه مثل تلك المواقف الصارمة. ولم تنتبه أندريا ألى أقتراب جوي منها , ألى أن بادرها بقوله : " هل فرغت مما تفعلين؟". وأومأت برأسها علامة الأيجاب , وقالت وهي تجمع حاجياتها وتهب واقفة : " الجو يبدو حارا أكثر من أي وقت مضى , أليس كذلك ؟ حتى المياه دافئة". " لا تذهبي أريد التحدث أليك". " الآخرون قد يرغبون في تناول بعض الشاي". وأمسك جوي بمعصمها محاولا منعها من الأنصراف. " فيم تريد التحدث يا جوي؟ أريد تغيير ملابسي ,وربما نستطيع التحدث معا بعد العشاء". " بعد العشاء سوف تتحججين بأعذار أخرى". وحاول جوي جذبها للجلوس ألى جواره , لكنها قاومته وهي تقول : "أنني آسفة يا جوي , ولكني لا أريد مناقشة أي شيء ألى أن تنتهي هذه الرحلة". " قد يكون الوقت متأخرا حينذاك , بل ربما يكون الوقت قد فات بالفعل". " ولكن ماذ تعني بذلك؟". " هناك شيء بينك وبين فرغسون , لقد كنت تكرهينه في بادىء الأمر , أما الآن فقد أشرفت على الأفتنان به ". " أنك تبدو سخيفا يا جوي". وحاولت أندريا الأبتعاد عنه , لكنه أمسكها بعنف هذه المرة من كتفيها , وأحست أندريا بالألم , وطلبت منه أن يتركها لحالها. وللحظة تلاقت نظراتهما في صمت , وجذبها جوي أليه وحاول عناقها رغما عنها , وقاومته بكل قوتها , حتى نركها وأندفعت بعيدا عنه وقد أختل توازنها فوقعت على الأرض بالقرب من الصخور , وتألمت من جراء ذلك , ولم يكن الألم الذي أحست به وحده يجعلها تلتقط أنفاسها في معاناة .... وأنما كانت أيضا رؤيتها لجيمس واقفا في مواجهة جوي من دوافع الأحساس بهذا الألم. وبادره جيمس بقوله : " ما هذا الذي تفعله؟". ورفع جوي يده محاولا توجيه ضربة ألى جيمس , وتفادى جيمس الضربة بذراعه اليسرى , وأعتقدت أندريا للحظة أنه سيطرح جوي أرضا , ألا أنه أكتفى بدفعه بعيدا في أحتقار شديد وهو يصرخ في وجهه: " أن وجودك في العابة لا يبرر لك التصرف بهذه الوحشية يا جوي , عد ألى المخيم وأهدأ". ومد جيمس يده ألى أندريا لمساعدتها على النهوض وهو يسألها : "هل أنت بخير؟". " نعم أشكرك". " أصيبت قدمك بخدش , أجلسي وسوف أنظف الجرح , وأمسك جيمس بالمنشفة التي وقعت من فوق كتفها أثناء الشجار وغمسها في الماء , وعندما أنحنى لينظف الخدش الذي أصابها , أحست أندريا بشعور دافق بأن تمد يدها ألى شعره الداكن وتلمسه..... " وكيف حال يديك هل أصيبتا أيضا؟". " كلا , لم يحدث شيء لهما ". وفجأة عند أقترابه منها ونظرا لأنه يشعر دائما بأحاسيس الناس في الوقت الذي لا يكشف فيه عن المشاعر , أحست بالخوف من أن يستشعر ما تحس به نحوه , وهمست أليه: " أرجو ألا تلوم جوي على ما فعل , فلم يكن يقصد أن يتصرف بهذه الطريقة بل فقد عقله للحظة.......". وقال جيمس بعد أن فرغ من تنظيف الجرح : " وهل من المفروض أن يكون هذا عذرا له؟". " لا , ليس كذلك بالضبط , ولكنني عرفت جوي لفترة طويلة , وأعتقد أنه سوف يعتذر في وقت لاحق عما بدر منه". وتساءل فرغسون : " وهل ستعتذرين أنت له أيضا ؟". وحدقت في وجهه , وهي تتساءل: " ولكنني لا أفهم ما تقول؟". ووقف جيمس مكتوف الذراعين وهو ينظر أليها نظرة ساخرة فاترة كتلك التي أعتادت أن تراها منه دائما , وقال : " الناس عادة لا يفقدون عقولهم , كما ذكرت ودون أن يسبق ذلك أثارة أو تحرش". وقالت في أحتجاج: " أنت تقصد توجيه اللوم ألي على ما حدث , ولكن هذا ليس عدلا فلم يكن خطأي كلية". " هل أنت متأكدة من ذلك؟". وقالت في أستغراب : " بالطبع أنا متأكدة , لقد جذبني أليه بقوة". منتديات ليلاس
" ولكن ذلك لم يكن يحدث للمرة الأولى!". وأحمر وجهها , وهي تقول هامسة : " ولكن الأمر هذه المرة كان مختلفا". " فهمت". "كلا , أنك لم تفهم , أنك تفهم فقط ما تريد , وأذا أعتقدت أنني شجعته على ذلك فأنت مخطىء". " حسنا , أذا كان هذا هو رأيك .....". " ولكنك لا تصدقني , أليس كذلك , أنك تعتقد أنني شجعته!ّ". " وهل يهم ما أعتقده؟". ولم ينتظر ردها , وأستدار وتركها بمفردها عند مستجمع الماء. ومع أنتهاء رحلتهم في الأدغال وألتقاط العديد من الصور للحياة الغريبة هناك والنقوش النادرة التي كانوا يشكون في أمكانية الوصول أليها كان موقف العلاقات الأنسانية بين رفاق الرحلة قد تغير تماما عما كان عليه عند نقطة الأنطلاق ألى الأدغال. كانت أندريا تشعر أنها حققت ذاتها بالمشاركة الأيجابية معهم في مهمتهم , لم تعد عنصرا مظهريا في نظر فرغسون كما كان يحلو له دائما أن يقول , ومن ناحية أخرى أحست أندريا أن نظرتها لفرغسون أصبحت مختلفة تماما , لم يعد الطبيب هو ذلك الأنسان ذو المشاعر الفاترة بل أظهر في أكثر من مناسبة عواطفه ناحيتها , أما هي فأصبحت تكن له مشاعر حب قوية , بل أصبحت تفضل حتى الحياة الصعبة في الأدغال على حياتها المريحة في المدينة لأنها كانت تخشى ألا تستمتع بوجوده معها دائما. أما جوي وفرغسون فتحدد موقف كل منهما أتجاه الآخر , أصبح جوي يشعر بغيرة شديدة أتجاه فرغسون الذي أستطاع بتصرفاته الجادة المسؤولة أن يفوز بقلب أندريا , وكان جوي يحس أن أندريا تتباعد عنه يوما بعد يوم.... لكن نظرته أليها لم تختلف أبدا منذ أن بدأت الرحلة وبعد أن أشرفت على نهايتها , أنها مجرد وجه جميل , وقوام ممشوق , ولذلك فأنها تستحق رعايته الدائمة. أما بيتر , فالموقف كله لم يكن غريبا عليه , أذ أعتاد مثل هذه الرحلات , كان يعرف تماما أن العيش في الأدغال يحدث تفاعلات عميقة في العلاقات الأنسانية , وأن تطور العلاقات بين رفاقه الثلاثة على هذا النحو أمر طبيعي وكان أكثر ما يهمه الآن هو أن الرحلة حققت النجاح الموجو لها.
نهاية الفصل الرابع |
| | | ???? زائر
| موضوع: رد: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:41 am | |
| الفصل الخامس- لماذا لا ترحلين الآن؟
وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي ودعوا أهالي المنطقة للبدء في رحلة العودة ألى المدينة. وعند الظهيرة , توقفوا لتناول الغداء في منطقة خالية من الأشجار بالقرب من مسقط مياه صغير , وكان الماء يشيع البهجة في النفس , كما أن المياه المتدفقة من الشلالات كانت تخفف بعض الشيء من شدة الحرارة في ذلك اليوم . ومثل هذا الجو كان كفيلا بأن يبعث في أعماقهم مشاعر النشوة والسرور , ولكن الذي حدث أن وقت الطعام لم يكن مرحا وغلب عليه طابع الأنطواء , فقد جلس جوي صامتا , بينما تبادل جيمس وبيتر كلمات قليلة. أما أندريا فكانت هادئة , لم يكن لديها ما تقوله , قضت كل وقتها في محاولة تناول نصيبها من الأرز المسلوق ولحم السنجاب الشديد الملوحة , وعندما جلست للطعام , عاودها الشعور نفسه مرة أخرى. وأثناء فترة ما بعد الظهر , كان الطريق الذي يعبرونه يفضي بهم ألى تل يبلغ أرتفاع قمته ثلاثين قدما , وقال لهم جيمس : " أن أجتياز هذه القمة سوف يوفر لنا من الوقت نحو الساعة". ثم ألتفت ألى أندريا وسألها: " هل تستطيعين تسلق هذا التل؟". وكانت هي المرة الأولى التي ينظر أليها مباشرة بعد الحادثة قرب مستجمع المياه ظهر اليوم السابق. وردت قائلة : " يخيل ألي أنني أستطيع أن أفعل ذلك". وعقب على الفور قائلا : " وسوف أحمل حقيبتك عنك". ومد يده أليها , فأعطته الحقيبة دون نقاش وعلقها على كتفه , والواقع أن عملية الهبوط من فوق التل لم تكن صعبة كما بدا أذ كان سطح الصخرة يوفر مواضع عديدة للأيدي والأقدام , ونظرا لأن أندريا لم تكن تضيق بصعود هذه الأرتفاعات , فقد تبعته في الهبوط دون مشقة. منتديات ليلاس
ونزل جوي بعدها ثم تلاه بيتر ألا أنه عندما أشرف شقيقها على الوصول ألى السطح , تهاوى نتوء صخري تحت ثقل جسمه فسقط وأرتطمت رأسه بالصخرة بقوة فوقع مغشيا عليه , وهرعت أندريا نحوه , وهي تصرخ منادية : بيتر ! بيتر! وصرخ جوي هو الآخر : يا ألهي , لقد سقط! أما جيمس فلم يقل شيئا بل أنزل ما كان يحمله عن كتفيه , وأبعد أندريا عن طريقه بدفعة قوية , ثم أنحنى على ركبتيه بالقرب من بيتر . وسأله جوي في فزع : " لم يمت , أليس كذلك؟". ونظر جيمس نظرة مطمئنة , ولكن لم يجبه , وبدأ يفك أربطة الحذاء الذي كان يستخدمه بيتر في الغابة , وبدأ بيتر يئن ويتوجع , فخلع له جيمس جوربه وبدأ في فحص رسغ قدمه بسرعة وفي خبرة وأدرك حقيقة ما حدث , فقال : " أنه ألتواء في المفصل , وسوف نحتاج ألى نقالة يا رامزي". وطلب منه أن يأخذ أداة القطع الحادة الخاصة به ليقطع شريحتين طويلتين من شجرة وجزمة من نباتات معينة تشبه الكرمة , كما طلب من أندريا أن تخرج كل البطانيات وتعد أي شيء لأستخدامه كوسادة تحت رأسه. وغاب جوي عنهم نحو ربع ساعة , وعندما عاد وهو يجر شجرتين صغيرتين , كانت الدماء تسيل من يده اليسرى بغزارة , وقال في حنق : " لقد قطعت يدي تقريبا , أن هذه الآلة حادة جدا كالمخرطة!". وبدت علامات الكآبة على وجه جيمس وهو يخاطبه قائلا: " دعني أفحص يدك". وفي هذه الأثناء كان بيتر قد أسترد وعيه تماما , لكنه عندما حاول النهوض طلب أليه جيمس في حدة أن يبقى راقدا دون حراك. ولم يكن جرح جوي غائرا كما كان يتصور , رغم أن يده كانت تدمي بغزارة ,وحقنه جيمس ثم وضع مطهرا وطلب من أندريا أن تربط مكان الجرح بضمادة. وقبل أن ينطلق هو للبحث عن تلك النباتات التي طلب من جوي أحضارها , فلم يفعل بسبب أصابته , قال لهم جيمس : " لا نستطيع أن نخيم هنا , أننا بحاجة ألى مياه جارية , النهر التالي لن يكون بعيدا عن هذه المنطقة , وأستسلم جوي لأسعافات أندريا لكنه لم ينظر أليها أو يحدثها , وبمجرد أن أنتهت من ربط الضمادة , أنصرف وأشعل سيكارة. وعندما عاد جيمس حاملا النباتات الخاصة , بدأ في أعداد حمالة قوية لنقل بيتر , وكانت أندريا ترقبه وهو يجهزها , وتتساءل في نفسها أذا كان يجب أن يظل بيتر محمولا طوال رحلة العودة ألى سونغي موسانغ , وأذا كان الأمر كذلك , فأن هذا يعني أن بقية الرحلة سوف تستنفذ ضعف الوقت الذي كان محدد لنهايتها. وقالت أندريا عندما عاد ألى مكانه بجوار النار المشتعلة: " كنت ساهرا طوال الليل". ورد جيمس وهو يتحسس ذقنه الطويلة , بينما بدت عيناه متعبتين من الأرهاق والسهر والطويل. " نعم , أعتقد أنه من الأفضل أن أرعاه الليلة ,ولو كان هناك أي كسر من العظام لكانت علامات تظهر بالتأكيد الآن , كما أن نبضات قلبه عادية وتنفسه سليم , وهو الآن نائم بصورة طبيعية". " الحمد لله .... ولكنك مرهق.... لماذا لا تذهب لتنام ساعتين؟". " كلا , يتعين علينا أن نبدأ في وقت مبكر , سيكون يوما شاقا". وعندما أستيقظ بيتر من نومه , بدا كأنه أستعاد صحته تماما , وبعد أن أختبر رسغ ساقه المصاب , أعلن أنه أصبح قادرا على السير , ومن حسن الحظ أن الطريق الذي سلكوه عند سفح التل وكان جيمس يطلب أليهم كل نصف ساعة أن يتوقفوا لكي يستريحوا بعض الوقت , وكان يتوقع أن يصلوا ألى النهر عند الظهيرة , ثم يتجهوا ألى مخيم لقبيلة تميار , بعد ساعة من وصولهم ألى هناك. وعندما وصلوا ألى النهر , كانت مياهه بطيئة الأندفاع موحلة , وفض جيمس الخريطة التي يحملها ونظر ألى بوصلته , وقال أنه يجب عليهم أن يعبروه بسرعة لأن النهر حسب تقديره ألتقى مع رافد آخر وسيكون من الصعب بعد ذلك أجتيازه لأرتفاع أمواجه وتلاطمها". وقال موجها حديثه لهم: "الأفضل أن تبقوا هنا حتى أتوجه أولا ألى النهر وأختبر عمق المياه". وكانوا يرقبونه وهو ينزل ألى النهر , وكان واضحا أن المياه غطت أعلى ساقيه , ومعنى ذلك أنها سوف تصل حتى وسط أندريا , وأختبر جيمس عمق النهر مرتين وهو يحمل الحقائب ,ثم قال : " عليك أن تساعد سيد فليمنغ يا جوي , وسوف أعتني أنا بأندريا ". منتديات ليلاس
وأستدارت أندريا لتهبط من ناحية ضفة النهر , أما الآخران فنزلا فعلا ألى المياه , وأندفع جيمس وراءها وهو يقول : " أنتظري يا أندريا". ثم نزل هو ألى الماء ومد لها يده , وأعتقدت أندريا بادىء الأمر أنه يريد أن يساعدها على الهبوط , ولم تكن مستعدة أبدا أن يمسكها كما فعل من وسطها ويرفعها بذراعيه: " وقالت في دهشة: " ماذا تفعل دعني أنزل ألى الماء". " ما زال أمامنا طريق طويل علينا أن نقطعه , ولا داعي لأن يبتل جسمك , لا تقلقي فلن تسقطي من بين ذراعي!". وتذكرت أندريا , لقد أخذها بين ذراعيه مرة سابقة بعد الظهر عند مستجمع مياه سانغي موسانغ , وحتى في ذلك الوقت ورغم أنها لم تكن تعرفه ألا لبضعة أيام فقط , كان أقترابه منها يشلها تماما. كانت أندريا تدرك أنه قوي , ألا أنه أستطاع رغم عدم نومه لأكثر من ثلاثين ساعة أن يحملها بسهولة وكأنها ليست أثقل من حقيبة , ولم تمض دقائق حتى كان جيمس قد عبر بها ألى الضفة الأخرى البعيدة , ولكنها كانت دقائق طويلة , أنتهت بهذه العبارة: " أشكرك". قالتها له وهو ينزلها على قدميها حبيث كان الآخران ينتظران , وقفز جيمس بسهولة خارجا من مياه النهر , ودون أن يرد على شكرها حمل حقيبته على كتفه ومضى معهم في المقدمة. وفي الساعات الأولى من صباح اليوم التالي , أستيقظت أندريا من نومها وهي تشعر برعدة شديدة , وأحست كأنها مقبلة على فترة مرض , وبعد مضي ساعة شعرت أن حرارتها أرتفعت , وعندما خرجت من حقيبة المبيت , أحست أن الأرض تدور بها , وفكرت أندريا : " يجب أن أخبر جيمس , ولكن كلا , ينبغي ألا أمرض الآن , ليس في الغابة!". وعندما حان وقت أرتدائها ملابسها , أحست أنها أفضل قليلا مما كانت عليه من قبل , ولكنها تعلم أن درجة حرارتها لا بد أن تكون أعلى من المعتاد وأنه ليس هناك من وسيلة لأخفاء وجنتيها اللتين أتسم لونهما بالأحمرار , وعينيها اللتين أصبحتا لامعتين بصورة غير عادية , وبدا لها أن جيمس سوف يلاحظ , لكن كان هناك من الأمور ما يشغل جيمس في ذلك الصباح , أذ كان بين أفراد قبيلة تميار الذين قضوا الليل معهم أمرأة مصابة بتقرح في قدمها , بالأضافة ألى عدد من الأطفال المرضى الذين يحتاجون ألى رعاية طبية. وفي الساعات التالية من صباح اليوم نفسه , عندما أستعدوا للأنصراف , كان برفقتهم ثلاثة من صبية قبيلة تميار ممن وافقوا على العمل معهم كحمالين بقية الرحلة. وبالنسبة ألى أندريا كان الساعات الست والثلاثين في الغابة صراعا لم ينقطع بين جسمها وأرادتها , أذ أستطاعت رغم أنها لا تعرف تماما أسباب عيائها , ورغم خوفها من أن يكون شيئا خطيرا وربما مميتا – أستطاعت أن تخفي حالتها الصحية عن الآخرين , وكان كل ما تفكر فيه هو أنه لا بد أن تتماسك حتى يعودا ألى سانغي موسانغ , وأنه مهما كلفها الأمر فسوف تخرج من الغابة على قدميها. ووصلوا أل دار أسرة باكستر بعد الظهر , وكان الدكتور باكستر وأبنته يجلسان في الشرفة عندما كانت سيارة الأجرة التي أستقلوها عند مشارف المدينة , تعبر بهم بوابة الدار. " عدتم في الوقت المناسب لتناول الطعام , هل أمضيتم رحلة طيبة ؟ أعتقد أنكم جميعا ترغبون في تناول مشروب قوي". كانت هذه هي عبارات الدكتور باكستر في أستقبالهم , وهي عبارات تتسم بالكرم والترحيب. وكانت أندريا هي آخر من يخرج من السيارة , ووقفت لحظة تستند ألى باب البيت , كانت ترتعش رعشة قوية , ولا تكاد ترى شيئا , وشاهدت الدكتور باكستر وهو يمد يده أليها في أبتسامة رقيقة ويستطرد قائلا: " هكذا... أثبت جيمس أنه كان مخطئا يا آنسة فليمنغ؟". وحاولت أندريا أن تحرك شفتيها لترد عليه , ألا أنها عندما بدأت في دخول الدار أحست بدوار وكأن العالم يدور حولها ,وسقطت على الأرض. وعندما فتحت عينيها وجدت نفسها راقدة في غرفة خافتة الضوء , وكان هناك صوت ورائحة أثارا الحيرة في نفسها , وبعد دقائق تعرفت على هذا الصوت الذي كان صادرا عن مروحة كهربائية تدور بجانبها , أما الرائحة فكانت لسائل مطهر. " هل تشعرين بتحسن؟". كان هذا السؤال موجها أليها من الدكتور باكستر ... وعندما أستدارت برأسها وجدته جالسا ألى جوار سريرها , وحاولت أن تستجمع ذاكرتها لتتبين السبب في رقادها في هذا السرير. منتديات ليلاس
وقال لها الدكتور باكستر: "لقد كنت مريضة ... ولكن لا تقلقي... فسوف نعمل على شفائك... والآن حاولي النوم مرة أخرى...". وعندما أستيقظت للمرة الثانية لم يكن هناك أحد يجلس ألى جوار سريرها ... وفجأة تذكرت ما جرى... كيف عادوا من الغابة ... وكيف أنهارت قواها في السيارة , وقبل أن تطأ عتبة بيت الدكتور باكستر , وعندما سمعت بعض الأصوات في دهليز الدار , أغمضت عينيها بصورة تلقائية وتظاهرت بالنوم , ثم فتح الطبيب الباب .... وشعرت بوقع أقدام وكأن شخصا ما قد جاء للأطمئنان عليها... وقال الدكتور باكستر في صوت خفيض: " أنها لا تزال نائمة... ولعل هذا أفضل شيء بالنسبة لها , وقد لا تستيقظ حتى الغد.......". وسادت فترة من الصمت... وأحست أندريا بحيرة : من معه , هل هي أبنته أو أنه بيتر؟ " أن ما يحيرني هو كيف أنها أستطاعت أن تتحمل كل ذلك طوال هذه الفترة". " أن حمى كهذه لا تحدث في دقائق ... ولا بد أنها شعرت بالمرض لأيام عديدة .... يا مسكينة... أنني أعجب لماذا لم تخبرنا بذلك ؟". " فعلا أنه لأمر أيضا أريد أن أعرفه يا جيمس ". وسمعت أندريا صوت جرس الهاتف يرن , ثم أحست بوقع الأقدام تتجه ألى باب الغرفة خارجة منه , وعندما أغلقا الباب وراءهما , ألتقطت أنفاسها وظلت أندريا لفترة راقدة , تفكر فيما ستقوله لجيمس أذا ما وجه أليها هذا السؤال ., وفي هذه اللحظة أحست أنها ظمأى , ربما يكون هناك كوب من الماء على المنضدة , وفتحت عينيها ونظرت ألى الخلف. " آسف , هل أفزعك وجودي؟". وأتجه جيمس ألى النافذة , وفتحها بطريقة تسمح بدخول بعض الضوء , ثم عاد ألى كرسيه بجوار السرير . وأحست أندريا بالحيرة أكثر : هل أدرك أنها كانت يقظة طوال الوقت؟ هل تخلف على الخروج من الغرفة متعمدا؟ " أتوقع أن تكون ظمأى ...... هل تريدين شيئا تشربينه؟". ولم ينتظر جيمس ردها , فأحضر لها كوبا من الماء , ولم تكن تدرك مدى ضعفها ألا عندما همت بالجلوس في سريرها , فلولا مساعدة جيمس لها لعجزت قواها عن تحمل ثقل جسمها . " لا تقلقي بسبب أحساسك بالأنهيار , فسوف يزول كل ذلك بمجرد أن تبدأي في تناول الطعام مرة أخرى". وأرتشفت أندريا بعض الماء من الكوب الذي قدمه لها جيمس ثم قالت بصوت خفيض: " كم من الوقت أمضيته هنا راقدة في هذا السرير؟". " ثلاثة أيام". قالها وهو يعيد كوب الماء ألى المنضدة , ثم ساعدها على أن ترقد مرة أخرى , ثم غير مكانه حتى يجلس أمامها وجها لوجه , ولكنه لم يوجه أليها السؤال الذي كانت تتوقعه , وقال بدلا من ذلك : " سأحاول النوم الآن , أن الساعة لا زالت الثالثة , ربما تشعرين مساء اليوم أنك تحتاجين بعض الطعام". ثم مد يده بلطف ورقة ألى رأسها لكي يرفع عن عينيها خصلة الشعر التي تهدلت فوق وجنتيها. وفي اليوم التالي كانت أندريا قد شفيت تقريبا وكان عليها أن تتناول أفطارا خفيفا , وأثناء النهار حضر أليها باكستر ليقيس درجة حرارتها ويحقنها , وقالت أندريا في وهن : " أنه لعطف منك ومن أبنتك يا دكتور باكستر أن تستضيفاني هنا , وأخشى أن يكون وجودي سبب لكما عناء , أنني أشعر بالذنب وخاصة بعد أن أختفيت فجأة من داركم في المرة السابقة , ولا بد أنكم تضايقتم مني ومن تصرفي هذا". " أصارحك بأننا كنا قلقين عليك ألى أن جاءنا رسول من عند جيمس , ألا أنني لا أدعي بأن أختفاءك كان شيئا غير متوقع , أدركت في ذلك الوقت أنك لم تقتنعي برأي جيمس بالنسبة ألى مرافقتهم لك في الرحلة , والحقيقة أنني أريد أن أعرف رد فعل جيمس عندما لحقت بهم". وردت أندريا في آسف قائلة : " ما زال هو صاحب الضحكة الأخيرة !؟". " أتقولين ذلك لأنك مرضت أثناء الرحلة , أن هذا لا صلة له بقدرتك يا عزيزتي , هذا النوع من حمى الغابة قد يصيب أي شخص , فلو حدث أن لدغت هذه الحشرة جيمس لكان هو نفسه أنهار بل أنني أقول أنه لو أصابت هذه الحشرة أي واحد من الثلاثة الآخرين لكانت قواه خارت بأسرع مما فعلت أنت , أن لديك قوة أحتمال كبيرة". منتديات ليلاس
وأثناء النهار أشتركت مارغريت باكستر والخادم في مساعدة أندريا على الأستحمام ,وأحست أنها أفضل بكثير بعد أن أصبحت نظيفة وترتدي ملابس جديدة , وجاءها بيتر ليطمئن عليها , ألا أنه مكث معها دقائق قليلة فقط لأن المجهود الذي بذلته جعلها تشعر بالتعب مرة أخرى , وقالت الآنسة باكستر لها أنها تحتاج ألى النوم فترة قصيرة حتى تسترد قواها من جديد. وفي الساعة الرابعة بعد الظهر كان كل شيء ساكنا في دار باكستر , وأنسلت أندريا من سريرها وأتجهت ألى غرفة الحمام , وتطلعت ألى المرآة فوجدت وجهها شاحبا , وأعتلت الميزان وتبينت أن وزنها نقص , وعادت أل غرفتها وحاولت أصلاح مظهرها , وقبل أن تعتلي السرير مرة أخرى , سمعت طرقا على الباب , ودخل جيمس , وبادرها بالسؤال : " هل أشار عليك الدكتور باكستر بمغادرة السرير؟". " كلا , ولكنني أحس أنني أفضل من ذي قبل .....". وأقترب جيمس منها , وتحسس جبهتها بيده , ثم قال : " أشعر أن درجة حرارتك أرتفعت مرة أخرى , منذ متى تركت سريرك؟". " منذ دقائق قليلة فقط , أردت أن أمشط شعري". " سوف أفعل ذلك ......لك". " أوه , كلا... لا يهم الآن ... سوف أطلب من الخادمة أن تمشطه لي مساء اليوم". " لا داعي , فأنا أستطيع أن أقوم بذلك الآن". وأمشك الفرشاة في يده وجلس ألى جوارها , وبدأ في تمشيط شعرها. " هل أصبح شعرك أفضل الآن؟". " نعم... أشكرك جدا ". " أعتقد أنه يجب عليك أن تبقي في سريرك حتى تنخفض حرارتك لمدة ثمان وأربعين ساعة على الأقل". " وما هي طول الفترة التي يجب أنتظارها؟". " ربما ثلاثة أو أربعة أيام , وحتى في ذلك الوقت يتعين عليك ألا تقومي بنشاط كبير , وقد يتطلب الأمر أسبوعين على الأقل حتى تصبحي قادرة على السفر". وهز كتفيه قائلا: " عليهم جميعا الأنتظار , أن حمى الغابة يمكن أن يكون لها تأثيرات ضارة أن لم تعالج بصورة صحيحة". ولم تجادله أندريا , كانت تعرف أن النقاش لا فائدة منه وألى جانب ذلك كانت تشعر في أعماقها أنها لا ترغب في العودة ألى أنكلترا , أن كل يوم في الملايو هو أنقاذ لها من اليأس الذي بدأت تشعر به كلما أحست أنها لن تراه أبدا بعد الآن. وبعد فترة من الصمت , قالت له: " كيف حال الآخرين , جاءني بيتر قبل الغداء ومكث لحظات وقال أنه بخير , هل هو كذلك حقا؟". " نعم , أصطحبته ألى المستشفى في منطقة أيبوة وتم الكشف عليه بالأشعة , أما يد رامزي فلم يلتئم جرحها تماما , ولكن هذا أمر عادي في هذا المناخ ". وصمتت أندريا برهة ثم قالت دون أن تنظر أليه: " هل يضايقك أنني لم أخبرك بأنني بدأت أشعر بالمرض في الوقت المناسب ؟" " وهل كنت تأملين أن أتضايق؟". " بالطبع لا.... لم يكن هذا هو السبب بتاتا". " أذن فلا بد أنني بليد الحس فلست أعرف سببا آخر". " كل ما قصدته هو ألا أكون عاملا مثيرا للشفقة والمتاعب ... بعد كل الظروف التي مر بها بيتر وجوي , وكان من الأفضل أن أرجىء المسألة ألى أن تنتهي الرحلة .....". " فهمت... ولكن ماذا تصورت أن يكون مرضك؟". " لا أعرف... كنت آمل ألا يكون مرضا معديا". " ألم يخطر ببالك أنني قد أستطيع الحد من هذا المرض قبل أن يستفحل؟". " هل كان بأستطاعتك حقا؟". " ربما لم أكن أستطيع منعه تماما .... ولكنه كان في مقدوري على الأقل أن أجنبك التطورات الأسوأ التي حدثت فيما بعد؟". وشعرت أندريا بالسعادة عندما رأته يبتسم , فمنذ أن رآها تحاول جاهدة التخلص من ذراعي جوي وبعد أن أتهمها بأنها أثارت مشاعره عن عمد , كانت تظن أنه لن يبتسم لها أبدا , وبدأت تفكر هل تغير مسلكه الآن أتجاهها , أو أنه يفعل ذلك فقط لمجرد أنها مريضة؟ وأرادت أن تسبر أغوار نفسه , فقالت له في رقة: " بعد هذه المشقة التي تسببنا فيها لك , أتوقع لك أنك تتمنى رحيلنا عنك". منتديات ليلاس
ورد بطريقة قاطعة: "كلا... أنني لن أقول ذلك أبدا , والآن من الأفضل أن تنامي مرة أخرى فكلما حصلت على مزيد من الراحة , كان شفاؤك أسرع". وفي ذلك المساء بعد العشاء جاء شقيقها ألى غرفتها ليجلس معها ساعة , وسرعان ما أدركت أندريا أن هناك شيئا يشغل باله : " أنك تبدو مشغولا يا بيتر , ماذا حدث؟". سألته أن يجيبها بصراحة بينما أتضح لها أنه لا ينوي البوح بأية معلومات وتردد بيتر وبدا كأنه يريد أن يتجنب الرد عن السؤال , وأخيرا قال وقد ظهر عليه الخجل: " الواقع أنني تلقيت رسالة صباح اليوم من تينا , هل تعرفين؟ لقد غيّرت رأيها!". " عن أي شيء؟". كانت أندريا تعتقد بأن علاقة بيتر وتينا أنتهت نهاية عاصفة قبل بضعة أيام من بداية الرحلة. وقال بيتر موضحا : " لم أذكر لك كل الحقائق من قبل ..... ولكن السبب الذي أحدث هذا الفراق هو أنني طلبت الزواج منها , ولكنها رفضت.. الواقع أنها لم ترفض ألا بعد أن أطلبت منها أما أن تتخلى عن وظيفتها , وأما تعتبر الموضوع منتهيا , أختارت أن تستمر في عملها , رغم أنني لا أرغب في ذلك!". " لقد كنت فظا تماما". ولم تكن أندريا تظن أبدا أن شقيقها يمكن أن يقوم بدور العاشق المسيطر هكذا ". وهز كتفيه قائلا : " كان الأمر من قبيل التفكير السليم , فلسنا في حاجة ألى مرتبها لمساعدتنا على مواجهة الحياة , كما أنني لا أرى فائدة من الزواج أذا كنا سنفترق كلما أردت السفر للخارج". " ولكن ماذا سيكون عليه الحال عندما تنجب أطفالا , أعتقد أنه سوف يتعين عليها في ذلك الحين أن تبقى بالبيت؟". " حسنا , فأنني أريدها معي , وفي أية حال , أرسلت لها برقية أبلغها أننا سنبقى هنا ألى أن تستعيدي صحتك تماما , وطلبت منها أن ترتب تفاصيل الزفاف , فليس هناك داع لفترة خطبة طويلة". وأبتسم بيتر , وكانت هذه هي المرة الأولى التي يبدو فيها سعيدا فعلا منذ الفترة القصيرة التي سبقت مغادرتهم لندن , وأضاف قائلا في مرح: " وربما تغير رأيها مرة أخرى , أنكن أيتها النساء مخلوقات لا تعرفن المنطق ". وردت أندريا في أخلاص: " أوه , بيتر , أنني سعيدة جدا لأن الأمور بدأت تسير على ما يرام , أنت أحببت تينا دائما وأنا متأكدة أنك تتوق الآن ألى العودة أليها , فلماذا لا تفعل ذلك الآن , ليست هناك أية أسباب حقيقية لأنتظاري , كما أنه لا داعي أبدا لبقاء جوي , يمكنه أيضا أن يذهب معك". فقال بيتر بصراحته المعهودة : " الحقيقة أنني فكرت في ذلك ". ثم قطب جبينه وهز رأسه قائلا: " كلا.... أننا لا نستطيع أن نتركك هنا...لن يكون هذا تصرفا صائبا ". " ولم لا , جيمس يقول أنه قد يمضي أسبوعان قبل أن أستطيع السفر وبالنسبة أليك فأن الأمر يعتبر مضيعة للوقت , في حين تستطيع مساعدة تينا لأعداد الزفاف , وسوف يكون هناك الكثير عليك أن تفعله". وكان واضحا أن بيتر يميل ألى ذلك. " ولكن ما الذي ستفعلينه بالنسبة ألى رحلة العودة الطويلة ربما تشعرين بالأرهاق والتعب". " أوه , هذا هراء , ففي الأسبوع المقبل سأكون متمتعة بصحة جيدة تماما , وحتى لو كنت أشعر ببعض الأنهاك , سيكون هناك من حولي الكثيرون من موظفي الطيران لمساعدتي ". وأنه بيتر الحوار حول هذا الموضوع بقوله: " حسنا... سوف أفكر في الأمر!". وفي صباح اليوم التالي , بعد دقائق من زيارة الدكتور باكستر لأندريا , سمعت طرقا على باب غرفتها , وكانت تأمل أن يكون الطارق جيمس , فقالت : " أدخل ". منتديات ليلاس
ولكنها فوجئت بجوي يفتح الباب , وكان آخر من تفكر في أن يزورها , ولا بد أن شيئا من الدهشة وخيبة الأمل ظهر على وجهها لأنه لم يتقدم أكثر من عتبة الباب . وسألها في هدوء: " هل أستطيع لقاءك لبضع دقائق؟". " نعم... بالطبع... تعال وأجلس...". وكان جوي قد تغير منذ رأته آخر مرة فحلق لحيته وقص شعره , وكان مظهره بصفة عامة يشبه المظهر الذي كان عليه قبل دخولهما الغابة , وقالت له أندريا : " سمعت أن يدك لم تبرأ بعد , هل تؤلمك؟". " كلا , أنني أحس فقط بالرغبة في حكها , ولكن كيف حالك ؟". ومضت فترة من الصمت , ثم قال جوي : " أندريا , ربما لا أعرف كيف أعبر لك عما في خاطري , وربما لا يكون هناك فائدة من قول أي شيء , ولكنني أعتذر عما حدث بعد ظهر ذلك اليوم". " حسنا جدا , فلننس كل ما حدث". وتساءل في صوت خفيض: " هل تستطيعين نسيان ذلك حقا؟". " لقد نسيت ذلك فعلا , وعلى فكرة هل حدثك بيتر عن أي أقتراح يتعلق بسفركما قبلي ألى أنكلترا؟". " نعم ... أبلغني بذلك أمس , ولكنني لا أعتقد أنه سعيد بذلك". " حسنا , سألت الدكتور باكستر وليس لديه أي مانع ,وأذا أتصل بيتر هاتفيا بمطار سنغافورة قد يجد مقدين خاليين في رحلة الغد , أرجو أن تقول له أنها فكرة طيبة". وكان جوي يبدو مترددا , ألا أنه بعد لحظات , تماسك مرة أخرى , وقال : " حسنا , سأتحدث أليه الآن , أعتني بنفسك يا آندي". ثم غاد الغرفة. كانت أندريا تعالج يديها بمستحضر للتجميل عندما دخل جيمس ألى غرفتها مساء للأطمئنان عليها , ومعه وعاء فيه مجموعة من الزهور , وقال وهو يضعها على المائدة : " ربما تريدين شيئا يبعث البهجة في نفسك". وجلس جيمس على حافة السرير , وقال : " سمعت أن بيتر وجوي يعتزمان العودة بدونك ". " نعم لقد وجدا مقعدين خاليين في الرحلة الجوية مساء غد... ولذلك سيتجهان في القطار ألى مدينة أيبوة صباحا , أعتقد أنه لا مانع لديك؟". " كلا... ما دمت توافقين على البقاء هنا". " الشيء الوحيد الذي يقلقني أنني قد أسبب ضيقا لأسرة باكستر". وفي هذه الأثنلء دخلت الخادمة الصينية تحمل صينية الشاي لأندريا , ثم طلب جيمس منها فنجان شاي آخر. وسأل أندريا : " كيف شهيتك للأكل؟". " ليست سيئة , أنني لا أتوقع الشعور بالجوع لأنني لا أبذل أي نشاط". ولكن يتعين عليك أن تحاولي الأكل قدر ما تستطيعين , فأنت الآن نحيفة جدا ". وفجأة تناهى ألى سمعهما صوت طرقات على الباب , ثم دخلت مارغريت باكستر وقالت : " جيمس... لم أكن أعرف أنك عدت؟". ونهض جيمس عن السرير وأستدار أليها قائلا: " نعم , قررت المجيء مبكرا اليوم , كنت أعتزم لتوي تناول بعض الشلي مع أندريا سأحضر لك فنجانا". " كلا , شكرا , فقد تناولت الشاي من قبل في دار الأرسالية , أنني ذاهبة ألى حمام السباحة لمدة ساعة , هل ستأتي ألى هناك أنت أيضا؟". " نعم , سأحضر ". وسأل أندريا : " هل أترك لك هذه الزهور أم لا؟". " نعم .... أنني أريدها معي , شكرا لك ". وخرجت مارغريت باكستر من الغرفة , وتبعها جيمس وهو يقول : " سنراك في وقت لاحق". وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي أصطحب جيمس في سيارته بيتر وجوي ألى محطة القطار في سنغافورة , ورافقتهم مارغريت التي كانت تعتزم شراء بعض الحاجيات وبعد رحيلهم بنصف ساعة , قفزت أندريا من سريرها ووجدت أن قدميها عادتا ألى حالتهما الطبيعية تقريبا , وتوجهت ألى الحمام لتغسل شعرها , وعاد الدكتور باكستر لتناول الغداء , ألا أن الآخرين لم يعودوا ألا بعد العشاء , وطوال هذه الفترة كانت أندريا تسرح بخواطرها : ما الذي كان يمكن أن يحدث لو أن مارغريت لم تقطع زيارة جيمس لها بعد ظهر اليوم السابق , ألا أنها رغم هذه الخواطر كانت تساورها بعض الشكوك في أنه ربما يتسلى بها فقط. وبنهاية الأسبوع سمح لها بأن تقضي معظم النهار على أريكة في الشرفة , ولكنهم كانوا يصرون على أن تأوي ألى فراشها في الساعة السابعة مساء ,ولم تكن أندريا ترى جيمس بمفرده أبدا , وكان يعلم أنها تظل تقرأ في غرفتها حتى العاشرة مساء , وكان بأستطاعته أن يجد مبررا لزيارتها , ألا أنه لم يفعل ذلك , وكلما تحسنت صحتها , أزداد قلقها وكآبتها . وفي يوم الأثنين أستطاعت أندريا أن تقنع الدكتور باكستر بأن يسمح لها بالتجول في المدينة لتقص شعرها في صالون حلاقة صيني , وكان هذا الصالون متواضعا بالمقاييس الأنكليزية , ألا أن المرأة التي كانت تريده كانت ماهرة على مستوى مصففي شعر السيادات في لندن , وقد خرجت أندريا من الصالون وشعرها يلمع كما تحسنت معنوياتها كثيرا. وعندما حان موعد العشاء , أرتدت فستانا أزرق جميلا لم يسبق لها أن أردته في الملايو , وأمضت خمس عشرة دقيقة تتزين أمام المرآة, أما مارغريت فكانت تتسلى بأشغال التطريز عندما خرجت أندريا أليها , ووضعت أشغال الأبرة بجوارها , وقالت : " أن الآخرين لن يعودوا قبل نصف ساعة , وأريد التحدك أليك". كانت أندريا تشعر تماما بمشاعر العداوة التي تكنها مارغريت لها منذ أن شفيت من الحمى , أما الليلة فقد ظهرت العداوة علنا في التعبيرات التي بدت على وجه مارغريت وفي نبرات صوتها , ودون مقدمات قالت لها: " ألا تعتقدين أنه حان الوقت لعودتك ألى أنكلترا؟". منتديات ليلاس
وتحركت أندريا ألى سور الشرفة وأتكأت عليه , ثم قالت : " ذلك يتوقف على رأي والدك وجيمس , أنهما يقولان أنني حتى هذه اللحظة لم أسترجع لياقتي الكاملة للسفر". وردت مارغريت في حدة: " ولكنهما لا يستطيعان أرغامك على البقاء هنا ". " هذا صحيح .... ألا أنه من دواعي نكران الجميل أن أترك الدار دون أن أستأذنهما , ألا تعتقدين ذلك". " لكنك فعلت ذلك من قبل, والآمر كان مختلفا , في المرة السابقة كنت تريدين السفر , أما هذه المرة فأنك مصممة على البقاء لأطول فترة ممكنة !". " وما الذي يجعلك تقولين ذلك ؟". ونظرت مارغريت أليها في أمتعاض , ثم قالت : " لا بد أنك تعتقدين أنني عمياء, لا أرى , أنني أعرف لماذا ترتدين كل هذه الأزياء الجميلة , أنني أعرف ما تريدين , أنك تتعقبين جيمس وتطاردينه في كل وقت". وقال أندريا في هدوء وقد شعرت بأنه لا جدوى من أنكار الحقيقة: " أنني أحبه". ويبدو أن صراحة اندريا أدهشت مارغريت تماما , فقد أرتسمت على شفتيها أبتسامة تنم عن الأسى , وهي تقول : " حسنا..... أنه من الواضح جدا أنه لا يعبأ بك". " أصحيح ذلك , وكيف عرفت؟". وهزت مارغريت كتفيها قائلة : " قد يفتتن بك مؤقتا , أن جميع الرجال سواء عندما يقابلون فتاة لعوبا مثلك , ولكن لا تتصوري أبدا أنه سوف يتزوجك". " ولم لا؟". تساءلت أندريا في هدوء دون أن تفقد أعصابها , وردت مارغريت دون أن تفقد أعصابها , وردت مارغريت دون أن تلتفت أليها : " لأنه ليست هناك أية صفات مشتركة بينكما , جيمس متفان في عمله , وسيظل عمله هو جوهر حياته دائما , وسوف لا يعجبك ذلك , أنت تتوقعين أن يركز أهتمامه عليك أولا .". وأستدارت أندريا نحوها وقالت وهي تواجهها : " أن ما تقولينه في الحقيقة هو أنك تريدينه زوجا لك , ولكن هل تحبينه؟". وأحمر وجه مارغريت وبدت عليها مشاعر الغضب وهي تقول : " أنا أعتبر هذا السؤال وقحا , أنني لا أريد أن أعلن عن عواطفي". وأحست أندريا أن زمام أعصابها بدأ يفلت منها , فقالت لها: " حسنا.... ليس هناك ما يدعو ألى مناقشة ذلك , المهم هو ما يشعر به جيمس". وجلست مارغريت وهي تحملق في الأرض وفجأة أنفجرت غاضبة وهي تقول : " لماذا لا ترحلين الآن ؟ ألا تفهمين أنك شخص غير مرغوب فيه؟". ونهضت واقفة وصرخت في صوت عال : " أن جيمس لي , هل تسمعين...... أنه لي ولا يريدك , لقد قال لي هو نفسه أنك مجرد فتاة عابثة مدللى". وفي هذه اللحظة عبرت سيارة باكستر البوابة ألى صحن الدار , وأدركت أندريا أن مارغريت قد أقتربت من حالى الهستيريا , فقالت لها في حدة: " لقد عادا ....يجب أن تجمعي شتات نفسك الآن يا مارغريت ". منتديات ليلاس
وللحظة شعرت أندريا أن مارغريت تهم بضربها... ثم سمع صوت باب السيارة وهو يقفل , ويبدو أن هذا الصوت منع غضبها من الأنفجار , فأنهارت في تشنج على كرسيها , وأنفجرت باكية . وقفز جيمس سلم الشرفة بخطوة واحدة , ولم ينظر ألى أندريا وتوجه مباشرة ألى مارغريت. " ماذا حدث يا مارغريت؟". وركع ألى جوار كرسيها , وربت بيده على كتفيها المرتعشتين , ويدو أن لمسات يده قد أشاعت في نفسها الهدوء , رغم أنها أبقت يديها فوق وجهها . وفي الوقت نفسه توجه الدكتور باكستر بالسؤال أل أندريا : " ما الذي حدث لها ؟". وقبل أن تتمكن أندريا من الأجابة , أسندت مارغريت رأسها على كتف جيمس العريض , وأجهشت بالبكاء مرة أخرى. لم تكن مشاعر الحب التي تكنها للدكتور فرغسون أمرا غريا على أندريا , بل أحست في مناسبات كثيرة أن هناك علاقة ما تربط بين الأثنين , ولكنها رغم ذلك لم تكن تتوقع أن تحدث بينها وبين مارغريت مثل هذت المواجهة , صحيح أنها تشعر بأن مارغريت تنافسها للفوز به ألا أنها تدرك في الوقت نفسه أنها ليست من ذلك الطراز الذي يمكن أن يستأثر بعاطفة هذا الرجل. وكان أكثر ما يضايق أندريا الآن أنها لا تريد أن تبدو فتاة ناكرة للجميل , كانت تحس بكرم ضيافة الدكتور باكستر وبسخائه, ولا تريد الأستسلام في صراعها مع مارغريت من أجل الفوز بالدكتور فرغسون , أن أكثر ما يؤلمها هو ذلك التعاطف العميق الذي بدا على الطبيب الشاب وهو ينحني ناحية مارغريت في محاولة لتهدئة مشاعرها.... فرغسون لم يفكر حتى في مجرد النظر أليها , لم يستفسر منها عما حدث , لقد كانت كل هذه المشاعر تكاد تدفع بها ألى عمل متهور , لماذا لا تنسل الآن خارجة من البيت لتستقل أول طائرة ألى لندن ؟ ولكن ألا يعني ذلك أنها عجزت عن مواجهة غريمتها , وبدأت أندريا في أستعادة هدوئها وأتزانها وفضلت أن تعطي نفسها فرصة للتفكير والروية.
نهاية الفصل الخامس |
| | | ???? زائر
| موضوع: رد: روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل الأحد فبراير 26, 2012 6:43 am | |
| الفصل السادس- حذاء خفيف في ليلة ماطرة .
وبينما ضاعفت مارغريت عويلها وصراخها , أندفع صبي هندي من بوابة البيت وراح يلهث وهو ينقل رسالة باللغة المحلية وهرع الدكتور باكستر ألى السيارة قائلا: " حادثة عند مفترق الطريق , ويجب أن أتوجه ألى هناك فورا , أرجو أن تعالج الموقف يا جيمس". وعندما أنطلق بسيارته , قام جيمس برفع مارغريت ألى داخل الدار , ثم عاد بعد مضي نحو ربع الساعة , وقال : " أعطيتها مهدئا , والآن من الأفضل أن ألحق بالدكتور باكستر فربما يكون في حاجة ألى المساعدة ". وفي الساعة العاشرة , كانت أندريا ما زالت تقطع الشرفة جيئة وذهابا عندما عاد الرجلان , ولما وصل الدكتور ألى دائرة ضوء المصباح رأت أندريا أن بنطلونه ملطخ بالدماء والقذارة . وقال ردا على سؤالها الذي لم تفصح عنه: " لقد توفي شخص وأصيب آخر بجراح خطيرة بسبب الدراجات البخارية". أما جيمس فقد أتجه مسرعا ألى غرفة نوم مارغريت . ووجه باكستر حديثه ألى أندريا فقال لها : " أخبري الخادم يا عزيزتي أننا عدنا.... فمن الأفضل أن أغتسل". وقد بدا أن الدكتور باكستر نسي تماما تصرفات أبنته الهستيرية , وكان الأرهاق يبدو على وجهه , وأومأت أندريا برأسها , وتوجهت داخل الدار عبر الحديقة الخلفية ألى المطبخ , وطلبت من الخادم أن يعد وجبة عشاء لشخصين. وعندما عادت للدار مرة أخرى , فكرت في أن تدخل غرفة ومها , ألا أنها رجحت أن يرغب الرجلان في الأستفسار منها عما حدث في وقت سابق , ولذلك قررت أن تبقى. كانت أندريا قلقة طوال الوقت وتساءلت كيف تستطيع أن تروي ما حدث من أنهيار عصبي لمارغريت دون أن تكشف عن السبب الحقيقي لذلك . وحدث ما كانت تخشاه , أذ كان جيمس هو أول شخص يلحق بها الآن , كان شعره لا يزال مبتلا , وكان من الواضح أنه أخذ حماما سريعا قبل أن يغير ملابسه. منتديات ليلاس
وعندما أقترب من غرفة الجلوس , قالت له: " أن عشاءك في الطريق أليك , هل أعد لك شرابا؟". " لا..... أنني لم أتناول أي طعام منذ الغداء , وقد يطلبوننا مرة أخرى ". ثم توجه بسرعة ألى غرفة الطعام , وأتجهت أندريا ألى النافذة , كانت وجبة غريبة , كانت أندريا تجلس في مكانها المعتاد تأكل قطعة من البسكويت والجبن , أما الرجلان فكانا يناقشان أثناء تناولهما عشاء كاملا , المضاعفات المحتملة في حالة الشخص المصاب , ولم يشر أي منهما ألى مارغريت . وأخيرا قال الدكتور باكستر: " أعتقد أنني سأتوجه ألى عيادتي قبل أن أعود ولا داعي لمجيئك يا جيمس , فقد نستدعى سويا قبل حلول الصباح". وأندفع باكستر خارجا بدون أن يلقي تحية المساء على أندريا ,أما جيمس فقد ملأ فنجانا آخر من القهوة , وأعتدل في جلسته , وبدا كأنه نسي هو الآخر وجود أندريا في الغرفة. ودخلت الخادمة الغرفة لتزيل آثار الطعام عن المائدة , وربتت على كتف جيمس تسأله أذا كان يريد فنجان قهوة آخر , وتنبه جيمس ألى وجودها فقال : " نعم , وهل نجهزين لي سريرا , فسوف أمضي الليلة هنا ". ولاحظ جيمس أن أندريا تجلس في هدوء على الناحية الأخرى من المنضدة , فقال لها : " يجب أن تتوجهي ألى سريرك الآن ". ولم تدرك أندريا ماذا تفعل , لقد كانت تتوقع من جيمس أن يبدأ في أستجوابها عما حدث بمجرد دخولها الغرفة , ألا أنه يبدو الآن وكأنه يريد تجاهل المحدث كله , وردت عليه قائلة : " فعلا .... من الأفضل أن أنام الآن .....طاب مساؤك ....". ورد عليها دون أن يلتفت أليها : " طاب مساؤك ". وبعد نصف ساعة سمعت أندريا رنين الهاتف ورد جيمس فورا , ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى سمعت صوت السيارة تنطلق. وظلت أندريا مستيقظة فترة طويلة في الظلام لا تستطيع النوم كانت لا تستطيع أن تبعد عن خيالها صورة اللحظة التي ركع فيها جيمس ألى جوار كرسي مارغريت وأخذها بين ذراعيه وهي تبكي ! ولم يكن هناك أحد في صباح اليوم التالي عندما خرجت أندريا من غرفتها , وكان واضحا أ ن جيمس ما زال في العيادة الطبية , أن ساعات الفجر التي تسبق الأفطار هي أسعد فترات النهار كله حيث تبدو الحشائش مبللة برذاذ الندى , ويكون الهواء باردا باعثا على الأنتعاش , وعلى المرمى البعيد تبدو تلال الغابة النائية مغطاة بالضباب الأبيض. ألا أن أندريا لم تكن تحس بما حولها وهي تتجول في الحديقة , كان نومها متقطعا بسبب تواتر من الأحلام المزعجة , ثم أستيقظت في نهاية الأمر وهي تتوقع حدوث أزمة. وكانت الساعة قد أشرفت على السابعة والنصف صباحا , والخادمة تعد المائدة في الشرفة , وعندما سمعت صوت سيارة تقترب , وعرفت أندريا حتى قبل أن تراها أنها سيارة جيمس , لقد شعرت برغبة في العودة داخل الدار , ولكنها بدلا من ذلك عبرت الحديقة ناحية مكان وقوف السيارة وبادرته بقولها : " صباح الخير .... كيف حال مريضك؟". " كان على وشك الموت أمس , ولكنني أعتقد أن صحته سوف تتحسن اليوم , هناك سيارة أسعاف سوف تنقله اليوم ألى أيبوة , وفضلت أن أسبح بعض الوقت حتى أستعيد توازني وأشعر بالأنتعاش". وسارت معه أندريا ألى الشرفة وسألته: " الم تنم أبدا الليلة الماضية ؟". " كلا...... ولكنني سآخذ قسطا من النوم بعد الأفطار". ودخلت الخادمة وهي تسأل : " هل تريد الطعام الآن يا سيدي ؟ السيد باكستر وأبنته لم يستيقظا بعد". ورد جيمس قائلا : " نعم .... سنتناول الأفطار الآنسة فليمنغ وأنا , أرجو ألا تزعجي الدكتور باكستر الآن , ولكن أذا كانت الآنسة باكستر مستيقظة , فأرجو أبلاغها أنني أريد أن تتناول أفطار اليوم في سريرها , وسوف أجيء للأطمئنان عليها". وبعد أن مضت الخادمة ألتقطت أندريا أنفاسها , وحاولت أن تبدو هادئة , وهي تقول : " جيمس , بالنسبة ألى مارغريت......". ألا أنه قاطعها بسرعة قائلا: " مارغريت محتاجة ألى التغيير , واليوم سأصطحبها بعد الظهر في سيارتي ألى مدينة بينانغ لكي تقيم مع بعض الأصدقاء عدة أيام". منتديات ليلاس
ونظرت أندريا أليه في ضيق , هل قرر ذلك الآن فورا , أم أنه أتفق على ذلك مع والدها أثناء الليل , وأذا كان الأمر كذلك , فما الذي يتصور أن مارغريت تعاني منه,أن الأثنين طبيبان ولا يمكن أن يصدقا أن ما حدث كان نتيجة لمجرد الأحساس بالكآبة. ولم يتبادل جيمس الحديث معها طوال تناوله للطعام , وسرحت أندريا بخيالها مع ذكريات الرحلة , ثم بادرته بقولها : " أعتقد أنه حان وقت رحيلي عن هذا المكان , أنني متأكدة أنني قادرة الآن على السفر ". فأجابها الدكتور فرغسون : " نعم... أعتقد ذلك... وسوف أصطحبك ألى سنغافورة عندما أعود من بينانغ , عن أذنك". ونهض مبتعدا عن المائدة ألى داخل الدار وهو ممسك بفنجان الشاي في يده , وأمضت أندريا طوال النهار في غرفتها , وكانت قلقة تساورها شكوك كثيرة في تصرفات جيمس. وفي وقت الظهيرة بدأت السحب تتجمع في السماء وتبع ذلك هدير من الرعد , وهطلت الأمطار غزيرة كالسيول , أنها أول عاصفة ممطرة تشهدها أندريا في الملايو , وخلال ثوان قليلة بدت الحديقة أكثر نضارة بعد أن أعتسلت كل نباتاتها , ويبدو أن مركز العاصفة كان فوق الدار مباشرة , فبالأضافة ألى هدير الرعد , كانت الضجة التي يحدثها هطول المطر على سقف الدار تشبه ألى حد بعيد أصوات طلقات المدافع الرشاشة, ووضعت أندريا يديها على أذنيها وهي تشاهد مياه السيول تندفع كالشلالات من بالوعة الشرفة , ولم تسمع أندريا الطرق على باب الغرفة حتى ربت جيمس بيده على كتفيها , وأدركت ساعتها أنها ليست بمفردها في الغرفة , وسألها: " هل أنت بخير؟". وأومأت أندريا برأسها , ونظر جيمس في ساعته , وأوضح لها أن هذه السيول لن تستمر طويلا. ولم تدم السيول فعلا لفترة طويلة , وتباعدت طلقات الرعد ,وفجأة توقفت الأمطار , وخمد الضجيج وقالت أندريا: " أحمد الله على أنها لم تمطر بمثل هذه الغزارة في الأدغال , أشكرك لمجيئك , الواقع أنني كنت مندهشة أكثر مني منزعجة". " ظننت أنك نائمة , وربما يرهق أعصابك أن تشعري فجأة بأن سقف الدار سيتهاوى عليك وأنت نائمة". ولاحظ جيمس أنها بدأت تحزم حقائبها أستعدادا للرحيل , فقال لها : " لا داعي للأستعجال في أعداد حقائبك , فسوف أمضي الليلة في بينانغ , ولذلك لن نرحل قبل يوم الخميس ". " أعتقدت أنك ستعود اليوم". " كلا........ أننا لن نذهب ألى هناك قبل موعد العشاء , ولا أرغب في العودة مساء , وسوف توفر لي أسرة كونداي سريرا , ثم أعود حوالي الساعة الثانية بعد الظهر". " أنه لشيء مضحك , أنني أشعر كأنني قد أمضيت في الملايو شهورا وليس أسابيع , هل تذكر تلك الليلة الأولى في سنغافورة عندما وجهت ألي اللوم لأنني تجولت بمفردي في شوارعها؟". " نعم.... أتذكر ذلك!". قال هذه العبارة في شيء من الجفاء. وكانت أندريا تعرف ما تنوي أن تفعله , وأحست برعشة في داخلها , وواصلت حديثها قائلة: " لم تكن بداية طيبة تماما , أليس كذلك؟ كما أن الليلة التالية كانت أسوأ , لقد أعطيتني أحساسا بأنني لا أتجاوز الثانية عشرة من عمري". ولم يعقب جيمس بكلمة واحدة على ما قالته , ووقف هناك يراقبها , كان تعبير وجهه غامضا , أثار حيرتها , ومرت لحظة ضعفت فيها أرادتها ,ثم فكرت : " حسنا أنني راحلة, فماذا ينفع ذلك؟". وأبتسمت أندريا وأردفت قائلة: " أنني آسفة يا جيمس ...... آسفة لأنني كنت بمثابة شوكة في جنبك منذ البداية". قالت ذلك , ثم أقتربت منه خطوة , ووضعت يديها على كتفيه بسرعة وطبعت قبلة على خده الأسمر. وفي اللحظة التي فعلت فيها ذلك , أحست بهول ما حدث فيها.. كيف يمكن أن تكشف عن عواطفها بهذه السذاجة , وقبل أن تتمنى لو أن الأرض أبتلعتها , وجدت نفسها بين ذراعيه في جو مشحون بالعاطفة .... ومضت دقائق..... ودقائق .... قبل أن يرفع ذراعيه عنها , بعد أن قبّلها قبلات حارة , وشعرت أندريا أن جو البرود والجمود الذي كان يبدو على جيمس لم يكن أعمق من لون بشرته الأسمر , وقال بهدوء: " أنني لن أعتذر لك عما حدث , لأني أعتقد أنك رغبت في ذلك, هل أشبعت فضولك الآن؟". منتديات ليلاس
فقالت في همس: " جيمس!". وكان في ذلك الوقت يضم خصرها بين يديه , فرفع يديه وأبتعد عنها وهو يقول: " لقد حان وقت الغداء... وفي هذه الظروف أتصور أنك لن ترغبين في تناول طعامك هنا , وسوف أوضح للخادمة أنك تشعرين بصداع وستحضر لك صينية الأكل". ثم أنسل خارجا من الغرفة. كانت أندريا راقدة في سريرها , عندما سمعت سيارة جيمس تنطلق , وأحست برعشة تسري في جسمها , فدفنت وجهها في وسادتها , وأستغرقت تفكر في هذه الحاة العاطفية الغامضة. وبعد قليل سمعت صوت أقدام الدكتور باكستر قادمة عبر الدهليز ألى غرفتها , وتظاهرت بالنوم , وبعد أن نقل صينية الأكل التي لم تمسها , أنصرف وسمعته يطلب من الخادم عدم أزعاجها. وفي حوالي الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر أثناء نوم كل من يعملون في الدار , أتصلت أندريا هاتفيا بمطار سنغافورة وعرفت أن هناك مقعدا خاليا على متن الطائرة المتجهة ألى لندن ظهر اليوم التالي , وطلبت منهم حجز هذا المقعد لها , ثم أتصلت بمحطة السكك الحديدية في أيبوة , وعرفت أنه يكون هناك قطار ليلي يمر بالمنطقة في التاسعة والنصف مساء , وأخيرا أتفقت مع سائق سيارة أجرة على الحضور ألى الدار في السابعة لأصطحابها وكانت قد حزمت حقائبها , وأرتدت ملابسها أستعدادا للرحيل عندما حضر الدكتور باكستر. وأوضحت له الترتيبات التي أتخذتها , ثم قالت : " كما ترى لن يكون هناك مقعد آخر خاليا قبل أسبوع على الأقل , والواقع أنني لا أستطيع أن أثقل عليكم أكثر من ذلك". وأختتمت كلامها وهي تدرك أنه سوف يغفر لها هذه الكذبة البيضاء أذا ما عرف السبب في ذلك , ولدهشتها وافق الدكتور باكستر على رحيلها المفاجىء بدون أي أعتراض. " حسنا جدا يا عزيزتي , أذا كنت متأكدة أنك قادرة على السفر وأن كنت لا أعرف أذا كان جيمس سوف يوافق على ذلك أم لا,ولكن من امؤكد أن السفر ليلا أقل أرهاقا من السفر أثناء النهار , وأستطيع القول أنك سوف تنامين طوال رحلة العودة". وكان في نبرات صوته ما دفع أندريا ألى أن تعرف أو تشك في أنه عرف شيئا مما حدث أكثر مما تصورت... وقالت وهي مرتبكة: " نعم , أنني أتوقع ذلك , ليتني فقط أستطيع التعبير عن شكري لك لما أبديته من كرم وعطف , صدقني أنني أقدر ذلك جيدا , أن أحدا في أنكلترا لن يكون كريما في ضيافته مع غريب مثلما فعلتم معي , ولو عرفت كم سأكون عامل أزعاج لكم , لما أقدمت على القيام بالرحلة". " أوه , غير معقول يا عزيزتي , أسعدنا جدا أن تكوني معنا". قالها وهو يربت على كتفها , ثم أضاف قائلا: " ولا تقلقي بالنسبة ألى تكرار أصابتك بالحمى , أنها ليست كالملاريا كما تعلمين , وليست من النوع الذي يصيب المرء على فترات متقطعة". وقبل أن ترحل ودعت أندريا الخادمة ووضعت في يدها حفنة من الدولارات , وعندما أدركت أنه من غير المناسب أن تقدم للدكتور باكستر أية نقود مقابل أقامتها وطعامها وضعت كل ما تبقى معها من عملة الملايو في مظروف وطلبت أليه أن يقدمها ألى أرسالية جيش الخلاص. ورأت أندريا أن آداب المجاملة تحتم عليها أن تتجه ألى مارغريت لتشكرها وتودعها رغم الأهانات التي وجهتها أليها في الليلة السابقة , وعندما أقتربت من غرفة مارغريت سمعت صوت حوار هادىء يدور بينها وبين والدها الدكتور باكستر , كان يحاول أن يتعرف على أسباب ما حدث لها أثناء وجودها بمفردها مع أندريا وكان يقول لأبنته في ذلك الوقت : " أبديت ترحيبا بها عند وصولها مع رفاق رحلتها ... ما الذي دفعك ألى تغيير موقفك منها؟". " هذا صحيح .. ولكنني أكتشفت بعد فترة من الوقت أنها تحاول الأساءة أليّ بطرق مختلفة ....". " الأساءة أليك؟ كيف؟ أن أحدا لم يلحظ ذلك , حتى الدكتور فرغسون لم يسبق له أن فاتحني بذلك". " لن يفاتحك أبدا.... لأنه شريك ألى حد ما في المواجهة التي حدثت بيننا ". " لا أفهم يا أبنتي شيئا مما تعنين ... هل كان فرغسون يقصد الأساءة أليك هو الآخر؟". كان الدكتور باكستر يناقش أبنته في هدوء الطبيب المعالج , وكان يحاول أن يستشف منها الأسباب الحقيقية الخفية لأصابتها بهذا الأنهيار المفاجىء. وصمتت مارغريت بعض الوقت , ثم مضت قائلة: " حاولت أندريا أن تسخر مني في مناسبات كثيرة وبطرق متعددة ... أنها تحاول دائما أن تبدو أمام فرغسون أكثر أناقة في مظهرها وأكثر رقة في حديثها ". منتديات ليلاس
" ولكنك لست أقل فتنة منها يا عزيزتي...أنني أشعر أن أهتمام الدكتور فرغسون بك وتقديره لك لم يتأثرا بوجود أندريا بيننا". " ربما , ولكنني لاحظت أنها تتابعه بنظراتها , وتحاول دائما أثبات قدرتها على أجتذاب أهتمامه وتحويل أنتباهه عني". وأقترب الدكتور باكستر من أبنته ملاطفا , وهو يقول : " يا عزيزتي ... أن الدكتور فرغسون صديق لنا جميعا , ولم يسبق له أن فاتحني في رغبته الزواج منك , كما أنني لم ألحظ في تصرفاته أزاءك ما يفصح عن هذه الرغبة ". " فرغسون هو الصديق الوحيد لنا هنا , وأنني أتطلع ألى الأرتباط به , وأخشى من منافسة أية أمرأة لي للفوز به ". " ولكنك تصرفت بصورة غير متحضرة يا عزيزتي مع فتاة تنزل ضيفة علينا , واجب الضيافة يقتضي منك الآن أن تبادي ألى توديعها قبل رحيلها , لقد وجّهت أليها أهانات بالغة في بيتك هنا". وكان رد فعل مارغريت لرجاء والدها , موجة أخرى من البكاء والعويل , فأخذها الدكتور باكستر بين ذراعيه وحاول تهدئتها. وأدركت أندريا الموقف تماما , أن ظهورها الآن أمام مارغريت سوف يزيد الأمور تعقيدا , من المستحسن أن تنسحب في هدوء دون أن يشعر أحد بذلك. وألقت أندريا نظرة وداع البيت الذي شهد مولد حبها الذي لم يكتمل للدكتور فرغسون ,ثم وصلت سيارة الأجرة , وحان موعد رحيلها. ووصل القطار ألى سنغافورة في ساعة مبكرة جدا من الصباح , وكانت هناك خمس ساعات متبقية قبل موعد قيام رحلة الطائرة , وأستقلت أندريا سيارة أجرة , وذهبت ألى الفندق الذي أقامت فيه هي ورفاقها في بداية الرحلة. وهناك أستأجرت غرفة أذ كانت تريد أن تأخذ حماما , وتستبدل ثيابها , وتتناول طعام أفطارها , وتركت أندريا حاجياتها لدى الشخص المسؤول عن الأمتعة , وخرجت لتمضية بعض الوقت وخذت تتجول في الشوارع على غير هدى , وعندما عبرت أحد الشوارع الضيقة على مسافة بضع ياردات فقط من المكان الذي قابلت فيه جيمس فرغسون لأول مرة تذكرت قوله : أنني لن أفعل لو كنت مكانك .... ورغم أن سطح البحر كان يلمع في ضوء الشمس , ألا أن أندريا كانت ترى بعين ذاكرتها رصيف الميناء كما كان عليه في تلك الليلة منذ أسابيع مضت ... الأشكال مضاءة ليلا بأنوار خافتة , والجو معبق برائحة التوابل والزيوت..... ورجل طويل ذو عينين رماديتين يتطلع أليها.. وتضاعفت آلامها النفسية , وأصبحت غير قادرة على تحملها وأندفعت ألى سيارة تاكسي وطلبت ألى سائقها أن يعيدها ألى الفندق ... وكانت أتعس ساعة في رحلتها تلك الساعة الأخيرة التي أمضتها في المطار... فقد تذكرت أن جيمس كان يتعين عليه في وقت ما من مساء الليلة الماضية أن يتصل بالدكتور باكستر هاتفيا ليبلغه أنه ومارغريت وصلا سالمين ألى بينانغ , وعندئذ لا بد أن يخبره الدكتور باكستر بأنها رحلت. ورغم أنها كانت تشعر أن مثل هذه الأفكار تزيد من عذابها , ألا أنه لم يكن بأستطاعتها أن تتخلى عن آخر أمل يائس لها , وهو أن تسمع في اللحظة الأخيرة صوتا صادرا من مكبر الصوت في المطار يعلن أن هناك مكالمة هاتفية عاجلة للأنسة أندريا فليمنغ. ألا أن أحلامها لم تتحقق , وقبل دقائق من الظهيرة , صعدت أندريا ألى متن الطائرة , ولم تحاول بعد ذلك أن تنظر من النافذة وهي ترتفع ألى السماء , وهكذا طويت صفحة من حياتها ألى الأبد. تزوج بيتر فليمنغ من نينا شيراون في أول أيام شهر مارس ( آذار) ونظرا لأن العريس وشاهد العريس , وأشبينة العروس طانوا جميعا معروفين لمشاهدي التلفزيون , تم عرض لقطات من حفل الزفاف وحفل الأستقبال في نهاية نشرة الأخبار مساء تلك الليلة ,وقد شاهدتها أندريا وهي تستبدل ملابسها لتناول العشاء في الخارج. كانت أندريا تتطلع ألى نفسها بأعجاب على شاشة التلفزيون , وهي تبدو مرحة مبتسمة طوال حفل الأستقبال , ثم أنتهت نشرة الأخبار وأغلقت جهاز التلفزيون , وتوجهت ألى غرفة نومها لترتدي فستانا أنيقا من الشيفون يناسب حفل العشاء , وعندما كانت تأهب لوضع حذائها رن جرس الباب وكان الطارق جوي ... فرحت به ودعته ألى تناول شراب حتى تفرغ من أرتداء ملابسها . منتديات ليلاس
قال : " أعتقد أن العروسين وصلا الآن ألى حيث سيمضيان شهر العسل .... رغم أنني لا أستسيغ قضاء مثل هذه المناسبة السعيدة في سكوتلاندا , وخاصة في مثل هذا الوقت من السنة . زردت أندريا بأقتضاب: " ولا أنا.......". وكان بيتر قد قدم لها كما جرت العادة هدية غالية الثمن تعويضا عن تخليها عن نصيبها في الشقة. وسألها جوي : " متى تعتزمين الأنتقال ألى نسكنك الجديد؟". " غدا صباحا .. وألا فأنه لن يكون هناك وقت كاف لأن ينتهي مهندسو الديكور من عملهم قبل عودة بيتر ونينا من أجازة شهر العسل , أرجو أن لم يكن هناك ما يشغلك الآن أن تساعدني على نقل حاجياتي ألى مسكني الجديد". فقال جوي على الفور: " بالتأكيد..... أن ذلك يسعدني ...". كانت أندريا تشعر بالحيرة , ترى هل أخطأت عندما وافقت على تناول العشاء معه الليلة , أنها المرة الأولى التي يلتقيان فيها على أنفراد منذ عودتها ألى أنكلترا .... ألا أنه في الأسبوع الأخير كان يحاول دائما أن يعود ألى طبيعته الأولى معها ولذلك كان من السخف أن ترفض دعوته... وتناول الأثنان عشاءهما في ملهى جديد في سوهو ورغم أن ساحة الرقص كانت صغيرة ومزدحمة , ألا أنه لم يحاول الأقتراب منها. ولاحظت أكثر من مرة أنه ينظر بأعجاب وتقدير ألى فتيات في الملهى , وعندما جاوزت الساعة الحادية عشرة بقليل , أقترح عليها العودة ألى المنزل. كانت أندريا تشعر بالبرد بعد أن خرجت من جو الملهى الحار , وأرتجفت وهي تقول : " يا له من طقس, أرجو أن يقبل علينا الربيع بسرعة". " نعم , أنها ليلة باردة , أعتقد أن نوبات المرض في الملايو أوهنت أجسامنا , فلم نعد نتحمل البرد هنا". وتوقفت السيارة أمام البيت وساعدها جوي على الخروج منها , وأنتظرته أندريا ألى أن أعطى السائق أجره , ثم تبعها وهي تصعد درجات السلم , وصوته من خلفها يقول : " أن فنجان القهوة سيكون مناسبا الآن........". وأومأت أليه أندريا وسمحت له بالدخول , ولم تعد تعبأ بقشعريرة البرد التي تسري في جسمها , ولكنها كانت تحس بالأكتئاب في أعماقها. " عليك أن تجلس هنا حتى تدفأ". وضغط جوي على زر لتشغيل مدفأة كهربائية , ثم توجه ألى المطبخ , وعندما عاد أليها كانت قد خلعت معطفها , وجلست تتطلع ألى لا شيء ! وقال لها : " أضفت نقطة الشراب ألى فنجان القهوة حتى تصبح كالقهوة الأيرلندية ,في أي موعد تريدين أن أحضر أليك غدا ؟ هل الساعة العاشرة وقت مبكر؟". " كلا ..... أنه وقت ملائم جدا". وأشعل جوي سيكارته وقال فجأة : " آندي..... ألا تعتقدين أنها قد تكون فكرة طيبة أن نتحدث عن تلك المسألة؟". وحدقت فيه أندريا بذهول .... وقبل أن تتظاهر بأنها لم تفهم شيئا , أشار أليها قائلا: "" نعم , لاحظت أنك تحاولين التظاهر بأن ذلك لم يحدث أبدا , ولكن أخبريني يا آندي ما الذي حدث بينك وبين فرغسون؟". وهزت كتفيها قائلة : " ليس هناك شيء يستحق الذكر ... أعتقد أنه كان معجبا بي .......ولكن ذلك أنتهى في وقته .. وربما يكون مرتبطا بمارغريت ". " لا بد أنه فقد عقله!". " ولم لا..... لعلها تناسبه تماما , أنظر ألى الساعة , لقد جاوزت الثانية عشرة , وعليك أن تعود الآن". " حسنا.. لن أثير هذا الموضوع معك مرة أخرى , طاب مساؤك ". منتديات ليلاس
كانت أندريا تستيقظ كل صباح وهي تشعر بالضياع , والعزلة , وكثير ما تمضي اليل تتعذب بذكرها لتلك اللحظات مع جيمس , والمشاعر المكبوتة التي أثارها فيها.... وكانت تقول دائما لنفسها: " ولكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر ألى الأبد.... لا يمكن ......". وبدأ جوي مرة أخرى محاولاته لأستمالتها بعد أن خلت له الساحة بغياب فرغسون , ألا أنه في هذه المرة كان يبدو لطيفا رقيقا في معاملتها , وكان يحس أنه بدأ يغزو قلبها شيئا فشيئا , وكانت أندريا في حاجة فعلا ألى هذه العاطفة لتستعيد توازنها بعد الهزة العنيفة التي أصابتها أثر رحيلها المفاجىء عن فرغسون , لم يعد أمام أندريا ألا أن تعيد التفكير في الموقف كله , وخيل أليها أن مارغريت لا بد أن تكون قد فازت في الجولة الأخيرة , أن الظروف التي تمر بها الآن تدفعها ألى أتخاذ خطوة حاسمة , لقد أنفصل عنها شقيقها بعد زواه من تينا , وضاعت كل آمالها ..... أنها بحاجة ألى من يعوضها عن الماضي والحاضر , وفيه كل آمال المستقبل. وفي اليوم التالي جلس جوي معها يشاركها الغداء بعد أن ساعدها في نقل حاجياتها ألى شقتها الجديدة. " الواقع أن هذا المكان ليس سيئا جدا....". قالها وهو يتطلع ألى السقف العالي من المبنى الفيكتوري الضخم المطل على حديقة جميلة ذات سور كبير . " ولكنني كنت أفضل حماما منفصلا خاصا بي , حتى أستطيع أن أجهزه حسبما أريد". وبدأت أندريا تشرح لزوي كيف ستقوم بتركيب قواطع خشبية لتقسيم المكان ألى ثلاث وحدات منفصلة , غرفة للجلوس , وأخرى للنوم وثالثة للمطبخ . وقال جوي: " أستطيع أن أساعدك أذا أردت". وعندما وجدها صامتة أستطرد في الحديث قائلا: " ما رأيك في الذهاب الليلة لمشاهدة أحد الأفلام ؟". أجابته : " ليس الليلة يا جوي... فأنني أريد أعادة ترتيب كل هذه الأشيائ المبعثرة". وعندما تركها جوي وحدها بدأت تفكر , هل أستأنف جوي طريقة حياته السابقة , أو أنه ما زال يريدها , وأنه يتظاهر هو فقط بأن ما حدث في الغابة كان مجرد حدث شاذ وعرضي ؟ أنه لطيف جدا في بعض النواحي .....ليتني أستطيع أن أهتم به..... يا لها من حياة مضطربة. وفي الساعة السابعة مساء , أعدت أندريا لنفسها قدحا من الشاي , وجلست تتطلع حولها , وفجأة أحست بشيء من الكآبة عندما تذكرت أنها سوف تعيش وحدها هنا , وتصورت الليالي المنعزلة التي ستمضيها في رفقة أشباح الناس على شاشة التلفزيون..... كانت أندريا تعد سريرها وكانت تأمل أن تكون المياه ساخنة في غرفة الأستحمام عندما سمعت طرقا على الباب .... لم يكن باب الغرفة موصدا , ولم تتوقع زيارة من أحد ألا من صاحبة الفندق , وأنتهت بسرعة من نشر الملاءة على سريرها , ثم قالت للطارق: " أدخل". كانت السماء تمطر في الخارج في هذا الوقت , ولذلك فأن أول ما لفت نظرها عندما أتجهت بنظرها ألى باب الغرفة آثاء المطر على صدر معطف جيمس , وهو يقف عند الباب ينظر أليها , لم تكن أندريا قد رأته من قبل مرتديا ملابس الشتاء , وبدا مختلفا عن ورته في ذاكرتها , وفي بادىء الأمر أعتقدت أنها أصيبت بنوع من الهلوسة. وأخذ يتطلع في أنحاء الغرفة ثم أغلق الباب خلفه . وقال في هدوء : " مرحبا يا أندريا.......". وكانت الصدمة التي أصابتها عند رؤيته شديدة لدرجة أنها لم تستطع الرد عليه , أحست وكأنها أصيبت بالشلل والخرس . وأستطرد قائلا : " حصلت على عنوانك من شقة شقيقك". وأخرج جيمس منديلا ومسح به رذاذ المطر عن وجهه , ثم قال : " هل أستطيع أن أخلع معطفي ؟". وبدأت أندريا تسترد وعيها مرة أخرى وتمتمت قائلة: " نعم.... نعم .... بالطبع !". وخلع معطفه وتطلع في أنحاء الغرفة ليجد مكانا يعلقه فيه , ثم وضعه على مشجب وراء الباب . ومضى يقول : " أعتقد أنك أنتقلت ألى هنا منذ فترة قصيرة". " نعم.....صباح اليوم... ما الذي جاء بك ألى لندن الآن؟". " أنني في زيارة عابرة .... فرغت من مهمتي في الملايو ,وسوف أتوجه بعد ذلك ألى البرازيل لأقضي هناك عامين". " أوه...فهمت...". وسادت فترة من الصمت , بينما كان كل منهما يتطلع ألى الآخر , وكان الصوت الوحيد المسموع هو صوت رذاذ المطر على زجاج النافذة . " هل ترغب في فنجان قهوة , أنني أسفة , فالمكان كما ترى لم يتم ترتيبه بعد.. أنه يبدو أفضل أثناء النهار , وهناك أيضا منظر جميل , فأنا أعتبر نفسي محظوظة بالحصول على هذا المسكن". وفجأة بدأت الكلمات تتدفق من فمها , ولكنها فكرت وتراجعت , وقالت لنفسها : لا تجعليه يعرف شيئا , أو يفهم شيئا ! , وأستدارت وأتجهت مسرعة ناحية الموقد , وهي تقول : " سأصنع الشاي فورا". منتديات ليلاس
ألا أن يديها كانتا ترتجفان من هول المفاجأة لدرجة أنها لم تستطع أن تخرج عود الثقاب من العلبة وتشعله , وظلت واقفة في مكانها , وسمعت جيمس من خلفها يقول بوضوح : " أنني أحبك ". وسقطت علبة الكبريت من يدها , وتبعثرت أعواد الثقاب على الأرض , وأحست بيدي جيمس على كتفيها , قويتين دافئتين , وجعلها تستدير لتواجهه , وأمسك بذقنها حتى لا تتحول بعينيها عنه , ثم قال : " أنني أحبك يا أندريا ". قالها مرة أخرى , وكانت عيناه ونبرات صوته مشحونة بالدفء والعاطفة على نحو لا يصدق , وهالها ما أحست به من سعادة – فمسحت أنفها , وتمالكت نفسها مرة أخرى وقالت وهي تتلعثم : " أنني آسفة .. أنني لا ...... أقصد أنها كانت مجرد.. أوه يا جيمس". وقال جيمس بهدوء : " أرجوك يا عزيزتي , لا تبكي مرة أخرى , تعالي وأجلسي , وأهدئي وأشربي هذا الكوب وسوف تشعرين أنك أفضل الآن". وعندما أستعادت بعض هدوئها , أخذ يديها بين يديه الدافئتين وقال : " هل تتزوجينني يا أندريا وترافقينني ألى البرازيل؟". " أنت تعرف أنني أوافق.....". وضغط على يديها وأحست أنه لم يكن واثقا من ردها . وقال هامسا: " يا ألهي.... كيف مضت تلك الأسابيع؟". " ولكن لماذا ؟ لماذا لم تقل لي ذلك في الملايو ؟ في ذلك اليوم الأخير المحزن .... أنني لا أفهم ....لقد قلت....". وتوقفت بعد أن ترك يديها , ونهض واقفا فجأة ... ووضع يده في جيبه وقال : " أنا أعرف أنني كنت قاسيا معك ,أليس كذلك..... ولكنني أعتقدت أنني أفعل الشيء المناسب". وصمت برهو , بينما قالت له : " من فضلك يا جيمس , لا تبتعد عني .... أنني لا أصدق حتى الآن أنك معي هنا ". وأبتسم جيمس وقال بعد لحظة : " أحسست أننا نتبادل الأعجاب.... وكنت أفكر طوال الوقت في لقائنا الأول في سنغافورة .... عندما كنت ترتدين ذلك الفستان.....". " أعتقد أنك تعترض على ذلك الفستان ........ تصورت ذلك من نظراتك". ولاحت علامات المرح على وجهه , ثم أضاف قائلا في جدية : " ولكن ألى جانب هذا الرداء الأنيق , فلقد كانت هناك ثقافتك ,وعملك ". " لو عرفت أنني أحببتك". " الحب وحده لا يكفي يا أندريا , أنني أحبك كثيرا , ولكنني لا أستطيع أن أتخلى عن عملي حتى من أجلك , وأذا جئت معي ستجدين أن هناك أشياء كثيرة لا بد أن تضحي بها". " حسنا , كما ترى , فهذه ليست شقة فاخرة , يعني لن أقدم تضحية كبيرة ". " أنها في أية حال أفضل من الغابة ". وأقتربت منه أندريا وتساءلت في رقة: " هل هذا هو جيمس فعلا؟ أذا لم تأخذني معك , فما الذي يمكن أن أفعله هنا ... فأنا لا أحب سواك!". وأمسك بيدها قائلا : " هل أنت واثقة ومتأكدة يا أندريا؟". وأجابت عن سؤاله بسؤال وقالت : " كم لدينا من الوقت قبل أن نتوجه ألى البرايل ؟". " نحو ثلاثة أسابيع , هل ترغبين في حفل زواج رسمي , أو أن نكتفي بتوقيع عقد الزواج المدني ؟". " أعتقد أن عقد الزواج المدني هو الأفضل". ثم أردفت متسائلة وهي غارقة في أحلامها : " أليس بأستطاعتي أن أحصل على رداء أبيض للزفاف في هذه الحالة؟". فأبتسم قائلا : " ستحصلين على أي شيء تريدينه يا عزيزتي !". وعندما فرغت من أعداد فنجاني قهوة لهما , سألته : " متى عرفت أنني معجبة بك ؟". " كان ذلك يوم ذهبنا معا ألى حمام السباحة في سونغي موسانغ , عندما أخرجتك من الماء , كانت نبضات قلبك تدق بسرعة". " غير معقول , كنت أكرهك في ذلك الوقت". " هل كنت تكرهينني يا حبيبتي؟". وتراجعت أندريا قائلة : " ربما لم أكن أكرهك !". وضحك جيمس وتذكرت أندريا فجأة كم كان نادرا أن تراه مبتسما من قبل ألا مع أفراد قبيلتي التميار والزنوج . وتساءلت أندريا : " وماذا عنك؟". قال باسما : " توقعت منك هذا السؤال ". وتظاهر بأنه يعبس ويفكر في جواب. وصاحت : " أوه جيمس , أرجوك لا تجعلني أفقد عقلي ". " ليلة رحلت ألى بينانغ وسألتني أذا كنت ما زلت أذكر عندما قابلتك لأول مرة .. أنني أذكرها فعلا جيدا .... أن أكثر ما أذكره هو أنك طلبت مني أن أتركك وحدك....... وعبرت الميدان متجهة ألى الفندق وتبعتك ووقتها عرفت أنني أحبك". " لكن كيف ذلك.... كنت وقحة معك". " حسنا..... لا بد أنني وجدت وقتها سببا لتعقبك داخل الفندق , فبحثت عن أسمك ,وعن الفترة التي ستبقينها هناك". " هل صحيح فعلت ذلك , لعل هذا هو السبب في أنك لم تفاجأ عندما قابلتني فعلا بعدها , ولكن أذا كنت مهتما بي فلماذا كنت مصمما على عدم مرافقتي ألى الغابة؟". منتديات ليلاس
" للأسباب التي ذكرتها .... أعتقدت بأخلاص أنك لن تقوي على هذه الرحلة". وقالت وهي تعترف له: " ربما لم أكن لأفعل ذلك أذا لم أكن مصممة وقتها على أن أثبت خطأك , وهل تعرف السبب الحقيقي في أنني لم أقل لك أنني أشعر بالمرض؟. كنت خائفة وأخشى أن أهذي بكلمات تكشف عن مدى حبي لك ؟". وبعد فترة من الوقت قالت له أندريا : "يجب أن تنصرف يا جيمس , فلربما تحضر الآن صاحبة البيت وقد تنفجر غاضبة ". " وهل هذا يهم , أنك لن تبقي هنا في أية حال.. حسنا ....سأرحل الآن ... لا تقلقي". سألته وهو يرتدي سترته : " أين تقيم ؟". " في فندق صغير , هل أحضر لتناول الأفطر معك ؟ لدينا الكثير نفعله غدا , يا ترى ماذا سيكون رد فعل شقيقك عندما يعرف أنني سآخذك معي ؟". " لا أعتقد أنه سيعترض بشدة على ذلك , فلست عضوا أساسيا في فريق العمل , وربما تأخذ تينا مكاني ". " هل ما زلت تقابلين رامزي ؟". " نعم.. ألا أنه لم يكن هناك أي سبب حقيقي لأن تكرهه". " لم أكرهه ..... ولكنني أردت أن أحطم أسنانه ". " وماذا عن علاقتك بمارغريت باكستر ؟". " كان الوضع حرجا يتطلب منتهى الحذر .....". " أنك تعرف مشاعرها نحوك". " أنني أعرف أنها كانت تريد زوجا , وكنت أنا الشخص الوحيد الذي يصلح لذلك أمامها , وكانت المشكلة أنني كنت على علاقة طيبة جدا مع والدها , ولم أدرك أنها كانت تعاني من مرض عصبي رغم مظهرها الخارجي الهادىء, ما حدث حقيقة كان أنفجارا عاطفيا من جانبها ". " أتهمتني بأنني أخطط للفوز بك , وطلبت مني أن أترك المنزل فورا". " تصورت ذلك في أية حال حال ألتقت الآن بشخص يناسبها تماما في بينانغ ". ونظر ألى ساعته , وقال : " الوقت لا يزال مبكرا , الساعة التاسعة فقط , هل هناك مكان قريب نتناول فيه وجبة طعام ؟". " هناك مطعم أيطالي متواضع على مسافة خمس دقائق سيرا على الأقدام". " حسنا , فلنتوجه ألى هناك لنأكل سباغيتي ". وقال جيمس ملاحظا : " أليس من الأفضل أن تغيري هذا الحذاء الخفيف , الأرض مبتلة في الخارج , أنني ألحظ أنك ما زلت نحيفة , ويتعين علي أن أطعمك حتى تسمني ,ومن الآن يا آنسة فليمنغ , سوف أرعاك جيدا". وأطفأ الأنوار , وأغلقا الباب , ونزلا ألى الشارع , وكانت الليلة باردة , بدون نجوم , ومع ذلك شعرت أندريا كأن الهواء الرطب يحمل بين طياته نسمات الربيع الأولى . ووضعت يدها في يد جيمس وقالت : " كنت أتوق للسفر ألى البرازيل , هل ستكون لدينا فرصة لزيارة ريو دي جانيرو ؟". " لا أرى مانعا .... ونستطيع أن نمضي جانبا من شهر العسل هناك أذا شئت ". وأبتسمت أندريا..... الملايو.... البرازيل ..... بورما .... أي مكان يذهب أليه جيمس هو المكان الذي تحب أن تكون فيه.
تمت |
| | | | روايات عبير - تعالي الى الادغال - للكاتبة ان ويل | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |